شعار قسم مدونات

لن ينقذ استعادة حلب الدولة الأسدية المتهاوية

blogs- الأسد

لم يلبث الأسد ومواليه أن يفرحوا لسيطرتهم على حلب بدعم جوي روسي هائل، حتى دخلت قوات داعش إلى تدمر طاردة الأسد وجيشه من هناك. إن دل هذا على شيء فهو يدل على عدم تمكن النظام السوري، والذي حكم سوريا بطولها وعرضها فيما مضى أن يفتح أكثر من جبهة في الوقت ذاته، وهذا ما دفع النظام إلى سحب بعض قواته من حلب وتوجيهها إلى تدمر.. صحيح أن النظام السوري بات يسيطر على جزء كبير من الأراضي السورية إلا أن هذه العبارة لا تطابق الواقع تماما..
 

ففي هذه المناطق لا يتمتع نظام الأسد بالسيادة الكاملة، فلولا مشاركة قوات حزب الله، والقوات العراقية، والأفغانية ومنظمات الجهاد الشيعي لما تمت السيطرة على هذه المناطق، وصحيح أن هذه المنظمات تبدو متجانسة لكنه من الخطأ الاعتقاد بوفائها الكامل للأسد، ففي النهاية هي تقاتل بدعم إيران وروسيا، وهما دولتان مستقرتان ذوات سيادة على خلاف نظام الأسد الذي لم يعد يقوى على التمدد لبضعة كيلو مترات دون وجود دعم أجنبي له..
 

خسر بشار الأسد غالبية رجاله حتى من الدائرة المغلقة، وهو اليوم يستخدم لتمهيد الطريق أمام الروس والإيرانيين لطرح بديل يناسبهم

النقطة الثانية هي طبيعة الأماكن التي يسيطر عليها الأسد، فحتى بعد أن حصل الأخير على حقول الغاز في تدمر، قام بخسرانها لداعش وهو بأمس الحاجة إلى الثروات الطبيعية والتي تدر عليه أموالاً يحتاجها في حربه المكلفة.. المناطق الغنية في سوريا ليست تحت سيطرة النظام، حقول النفط بغالبها تقع في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم داعش، كما أن الأراضي الزراعية الخصبة غالبها ليس مع نظام الأسد، ناهيك عن تعطل كل الموارد التي كانت تدر المال على النظام كالصناعة والسياحة، ولم يبقى للأسد سوى أموال التحويلات الأجنبية الغير كافية والقروض الإيرانية التي يحصل عليها بهيئة نفط في كل شهر، و بضاعة تجلب من إيران أو عبر شركات إيرانية.
 

كل هذا دفع بنفاذ المخزون الأجنبي من العملات للنظام السوري، وما يعنيه هذا من عدم تمكنه من شراء المواد المطلوبة حتى من الدول الصديقة، فروسيا على سبيل المثال لا تقرض النظام السوري بل تتعامل معه بالنقدي، هذا غير العقوبات المتعددة التي تطال النظام السوري والعناصر الأساسية المشكلة له، ومصرف سوريا المركزي، ناهيك عن العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين النظام السوري وكل الدول الفاعلة في العالم، إضافة إلى نزوح وهجرة غالب الشباب السوري الذي يحمل الكفاءات والخبرات.
 

هذا كله يفسر أسباب انهيار العملة السورية، فلتغطية مصاريف الجنود والمقاتلين والموظفين قام النظام بطبع العملة السورية دون وجود رصيد من العملات الصعبة يقابلها، ودخوله حلب ومناطق الريف الدمشقي كداريا وقدسيا والتل ستؤدي إلى طباعته للمزيد من الأوراق النقدية السورية وغياب النقد الأجنبي، هذا يؤذن بهبوط أكبر لقيمة الليرة السورية، لمرحلة قد تصل قيمة الدولار الأمريكي الواحد لأكثر من ألف ليرة سورية.. كل هذا أدى إلى انخفاض كبير للقيمة الشرائية لدخل المواطن السوري، فالسوري الذي كان يحصل دخلاً شهرياً ممتازاً بقيمة الخمسين ألف ليرة سورية، أي ألف دولار آنذاك، باتت القيمة الشرائية لدخله تعادل المئة دولار حالياً، ومن المتوقع أن تعادل بضعة دولارات عما قريب.
 

أمام كل هذا من الخطأ، الاعتقاد أن روسيا أو إيران حتى مستمرتان بدعمهم للأسد، فهو اليوم بيدق ليس إلا، خسر غالبية رجاله حتى من الدائرة المغلقة، وهو اليوم يستخدم لتمهيد الطريق أمام الروس والإيرانيين لطرح بديل يناسبهم، صحيح أن البديل الذي سيطرحه الروس والإيرانيون لن يكون وفقاً لتطلعات عموم السوريين، إلا أن عائلة الأسد ذهبت ودون عودة وهي لن تقوى على حكم مناطق أكبر من القرداحة وبعض المناطق الجبلية الأخرى..

المطلوب من المعارضة اليوم الاستمرار في إنهاك الأسد على كل الجبهات، وفتح جبهات جديدة حتى إن لم تسفر عن تحرير، هذا سيعجل من عمر رحيل الأسد وإنهاء حكم عائلته التي لا تجيد سوى التشبيح والقتل والعمل على تصدير بديل غير مؤدلج يعبر عن كل المكونات السورية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.