شعار قسم مدونات

بين حلب والموصل يقع بيت المقدس

The inhabitants of the eastern neighborhoods of the northern city of Aleppo are seen inspecting their belongings and houses, Syria, on 14 December 2016. The Syrian army claims they have managed to expel rebels from almost 99 percent of the eastern neighborhoods that have been under the rebels’ control since 2012.
في عام 1174م استتب الامر للسلطان صلاح الدين الأيوبي واستطاع أن يفرد جناحيه على مصر دون منازعٍ يُحسب له حساب.

فالدولة الفاطمية وهي العدو اللدود للدولة العباسية، وإحدى العقبات الرئيسية في تحقيق الوحدة بين المناطق الجغرافية المُكونة للعالم الإسلامي قد انتهت وزالت في عام 1172م، ولم يعد لها قوه ولا سلطان ولا أثر.

لقد فهم السلطان صلاح الدين أن تحرير بيت المقدس لن يتم طالما أن حلب والموصل واقعتان خارج إطار الوحدة الإسلامية، وخارج منظومة الجيش الذي سيلتقي العدو.

في خضم هذه التطورات الإيجابية، بدأ صلاح الدين الاستعداد فعلياً للسير نحو بلاد الشام لمقارعة الفرنجة وتحرير بيت المقدس، وهو الهدف الذي طالما انتظره وأعد العدة له.

لكن تراءت في الأفق للسلطان مشكلةٌ كبيرة، وهي مسألة حلب والموصل. تلك المشكلة التي تتمثل في أن من يحكم الموصل وحلب في تلك الفترة كانوا من القادة الذين يؤثرون المصلحة الشخصية على مصلحة الأمة والجماعة (شمس الدين بن المقدم في حلب والأمير سيف الدين غازي في الموصل)، وكان ينظرون على أن تحقيق النصر على يد صلاح الدين إنما هو تكريس لهزيمتهم.

لذلك رفضوا دعوة الوحدة التي ناشدهم بها صلاح الدين، وعللوا رفضهم بعدم أحقية صلاح الدين في أن يكون سلطاناً لمصر والشام، أو يمكن أن نقول، بسبب فقدان امتيازاتهم التي ظنوا أنها مُقدمة على مصلحة الأمة الإسلامية في تحرير مقدساتها وعلى رأسها بيت المقدس ومسجده الأقصى.

لقد فهم السلطان صلاح الدين أن تحرير بيت المقدس لن يتم طالما أن حلب والموصل واقعتان خارج إطار الوحدة الإسلامية، وخارج منظومة الجيش الذي سيلتقي العدو.

كما أدرك أن الموقع الإستراتيجي الهام لكلٍ من الموصل وحلب إن لم يكن في صفه فسيكون سكين في ظهرة. وفي الأخير، كان السلطان صلاح الدين يعلم أن عموم المسلمين في الموصل وحلب كانوا مع الوحدة ويدعمون جهود صلاح الدين في مسعاهُ لتحرير بيت المقدس، وأن الطغمة العسكرية المسيطرة على مقاليد الحكم في كلا المدينتين، كانت العقبة التي يجب أن تُزال.

بناءً على المعطيات السابقة، كان لا بد لصلاح الدين من أن يُؤجل تحقيق حلمة في هزيمة الفرنجة وتحرير بيت المقدس، وكان ذلك في الحقيقة، مدعاة للألم والحزن لدى صلاح الدين.

لقد نجح صلاح الدين بعد جهد وعناء في إخضاع حكام حلب والموصل، ووجد في هاتين المدينتين شعوبُ متعطشة للوحدة والقتال ضد الفرنجة.

إذ كيف لمسلمٍ (حكام الموصل وحلب) أن يُؤثر مصلحته الشخصية على مصلحة أمةٍ سعت بكل جهدٍ ولسنوات طوال لتحقيق الوحدة بين المسلمين ومناطقهم الجغرافية، حتى تستطيع منازلة الفرنجة كأمة متماسكة، بعد أن نحج الفرنجة في استغلال فرقتهم السياسية والطائفية لتحقيق النصر واحتلال بيت المقدس في عام 1099م. بل واستفاد الفرنجة من المسلمين وتشرذمهم في البقاء في بيت المقدس لفترة 88 عاماً.

حاول صلاح الدين بكل وسيلة إقناع الطغمة الحاكمة في حلب والموصل بضرورة الاستجابة لدعوة الوحدة والانضواء تحت رايته، وحاول معهم مستعملاً أساليب اللين ثم ما لبث أن استعمل القوة والسلاح، وكان يعلم أن أسلوب اللين سوف يطيل عمر الاحتلال الفرنجي لبيت المقدس، ولا بد من استعمال القوة حسماً للأمر، خاصة وأن الحكام في حلب قاموا بالتحالف مع حاكم طرابلس الصليبي ريموند الثالث وفرقة الحشاشين بقيادة راشد بن سنان في صراعهم مع صلاح الدين.

لقد نجح صلاح الدين بعد جهد وعناء في إخضاع حكام حلب والموصل، ووجد في هاتين المدينتين شعوبُ متعطشة للوحدة والقتال ضد الفرنجة، حيث استطاع صلاح الدين أن يستعمل حماسهم وحماس غيرهم مسلمي المشرق والمغرب في هزيمة الفرنجة بعد أقل من عام من تحقيق الوحدة في معركة حطين عام 1187م وتحرير بيت المقدس.

علينا أن نعترف بأهمية مدينتي حلب والموصل في التاريخ الإسلامي، وأن دورهما في تحرير بيت المقدس كان كبيراً، وأن صلاح الدين لم يكن ليسمح لنفسه أن يريق دم مسلم إلا لعلمه بخطورة بقاء هاتين المدينتين خارج إطار الوحدة الإسلامية، والتي كان كقائد عبقري بحاجة لها لتحقيق النصر والتحرير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.