شعار قسم مدونات

عن تفجيرات الهرم والكنيسة البطرسية

epaselect epa05672748 People carry a coffin as relatives of the victims of the Coptic Christian cathedral complex bomb attack mourn during the burial service, Cairo, Egypt, 12 December 2016. Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi announced that 22-year-old suicide bomber named 'Mahmoud Shafiq Mohamed Mostafa' is responsible for the attack that killed 24 people and 35 injured on 11 December 2016 in St. Peter and St. Paul Coptic Orthodox Church, a small chapel attached

أطوار جديدة من العنف تنذر بخطر داهم
خلال الأسبوع الماضي شهدت مصر ثلاثة تفجيرات مختلفة الشدة والأثر والموقع الجغرافي وكذلك الفاعل، وعلى الرغم أن حديث التفجيرات في مصر بدأ منذ ثلاث سنوات إلا أن هذه التفجيرات غير المترابطة والمنفصلة تحمل دلالات وإشارات تنذر بخطر داهم أكثر من ذي قبل، إلا أن تفجيرين منها يخبرانا برسائل على الناس أن تستقبلها بجد وحذر لعلها تجد عاقلا يحسن التعامل معاها ويقلل من أثر ما يمكن تحققه مستقبلا، بعدما لوح لنا هذان التفجيران بخطر داهم أكثر من ذي قبل.

 

نحن أمام أطوار جديدة من العنف والاستهداف والطرق والأفكار تطل برأسها ونحن على مشارف عام جديد، لم يكن اعتاد الناس عليها سابقا في السنوات الثلاثة

كان الإنفجار الأول هو ما وقع بشارع الهرم بقلب محافظة الجزيرة عبر عبوة ناسفة وأسفر عن مقتل 6 من رجال الشرطة قبل صلاة الجمعة، وأعلنت ما تُعرف بحركة "حسم" مسؤوليتها عنه عبر ما أسمته "بلاغ رقم 8 عسكريا"، فيما كان الانفجار الثاني بكنيسة البطرسية في العباسية بقلب القاهرة عبر مواد شديدة الإنفجار نُسب فيها التفجير لإنتحاري، وظهر بيان منسوب لتنظيم الدولة الإسلامية يعلن مسؤوليته عنه، وهو ما أسفر عن مقتل قرابة 25 وإصابة عشرات آخرين غالبيتهم من النساء والأطفال.

 

لكن ما الإشارات والدلالات، التي تجعلني أذهب لأرى أن القادم فيه خطر مختلف عما جرى من قبل؟!

أولا: تكشف بيانات وبلاغات حركة حسم المتتالية أن ثمة مجموعات صغيرة غير مؤدلجة باتت تعمل بشكل مستقل عن أي تنظيمات كبيرة، لا هدف لها إلا ما تعتبره ثأرا من المنظومة الأمنية في مصر وما يرتبط بها من شخصيات عامة، وفي القلب من ذلك وزارة الداخلية، وهي تسعى في ذلك بدأب ولديها رؤية واضحة وفريق عمل يحاول أن يخرج ما يفعله بشكل إحترافي، إلا أن الأخطر في الموضوع هو أن هؤلاء الشباب باتوا يربطون وجودهم بوجود النظام القائم حاليا، وليس بهدف ديني أو بهدف إقليمي، فهذا الشكل من البيانات والرسائل جديد على الساحة المصرية، فخبرة مصر قبل ذلك طوال عقدي الثمانينات والتسعينات، مع التنظيمات التي رفعت السلاح، كان يتعلق بأمور دينية أو أيدولوجية، وحتى سيناء فالمجموعات فيها لها امتدادات إقليمية وتعمل وفق أجندة تتحدث عن خلافة وأمور خارج القطر المصري، لكن حركة حسم ومن قبلها لواء الثورة، تؤكد بيانتها، ولاسيما البيانات الأخيرة التي أعلنت تبرأوها ورفضها لتفجيرات الكنيسة، أنها مجرد محموعات من الشباب تلبس وتعيش بنفس نمط الحياة الذي يعيشه المصريون، ومن ثم ليس من السهل التعرف عليهم أو التعامل معهم على أساس أيدولوجي، فحتى الجزء المتعلق بالبُعد الديني لديهم، يتعلق بآيات القصاص والمقاومة للظلم، وتوظيف ذلك في إطار "الثأر".

 

والملفت في تلك الحركات الجديدة أنها لا تشبه العمليات النوعية التي تبناها قطاع من جماعة الإخوان المسلمين في فترة ما، دون علم كل أفراد الجماعة ولاقى مقاومة شديدة من الداخل الإخواني على الرغم أنه لم يكن متطورا إعلاميا ولا يُعلن استهدافه أرواح الأفراد حتى لو كانوا من منظومة الداخلية، حتى لو حدث هذا بشكل فردي أو من خلال مجموعات صغيرة نفذت عمليات صغيرة، لكن سرعان ما تراجع ذلك كله واستخُدم سلاح المال والفصل من الجماعة في إطار وقف العمليات النوعية حتى لا تتطور وتخرج أمورها عن السيطرة، وبالفعل منذ أغسطس 2015 رويدا رويدا حدث تراجع كبير واختفت تلك العمليات التي كانت تستهدف محطات الكهرباء وممتلكات وسيارات الشرطة وذهب كثيرون من أفراد العمليات النوعية القليلون خارج مصر أو بات مطاردا داخلها بعد ترك الجماعة له أو لأنه لم يكن منتميا أصلا لجماعة الإخوان، فليس كل من كان يقوم بالعمليات النوعية أو مؤمن بها كان عضو أو تنظيميا بالجماعة.

 

وبالتالي كان من السهل سابقا أن يتم معرفة توجه أو تمويل هكذا مجموعات أو كان يمكن أن تختلط مطالبها بمطالب سياسية أو أيدولوجية، لكن الآن وبعد هذه العملية الثامنة منذ يوليو الماضي، بات واضحا أن هذه المجموعات تعتمدا خطابا ثأريا، تضع له أبعاد أخلاقية في خطابها الإعلامي، وتلح عليه، وهو ما بدا في بيانها عقب عمليتها التي استهدفت المفتي السابق علي جمعة، حينما أشارات أنها توقفت عن استهدافه حتى لا يقع ضحايا من المدنيين أو من لاذنب لهم، فضلا عن بيانها عقب تفجير الكنيسة الذي ألحت فيه على تجنبهم لاستهداف الأبرياء والمدنيين وعدم قبول الدين لاستهداف غير المسلم.

 

لذا فإن الخطر في هذا الجانب يتمثل بشكل واضح في نشأة مجموعات صغيرة تتحرك بشكل يحمل قدر من الإحترافية في الإعلام على الرغم من قلة الإمكانيات المادية، وتعمل في مجموعات غير معلومة المصدر ولا التمويل وبشكل منفرد وتعيش في صورة ونمط عادي، ويحرز نجاحات في خطته ولا يعمل في الهامش الجغرافي بل في القلب منه.

 

درس الخبرة من أحداث تفجيرات كنيسة القديسين يخبرنا أنه حتى الآن لا أحد يعلم ملابسات الحادث ومن وراء التفجير، ولولا الثورة لصدق الناس رواية داخلية العادلي، التي اتضح كذبها وأنها قتلت وعذبت أبرياء بلا ذنب

ثانيا: يعد تفجير الكنيسة هو الأعنف داخل وسط القاهرة وداخل التجمعات السكانية، بدرجة تفوق تفجير مديرية أمن القاهرة ومديرية أمن الدقهلية، فالتفجير في وضح النهار بين مدنيين لا ذنب لهم، وبكمية متفجرات حولت حوائط الكنيسة إلى تراب، وأودت بحياة 25 في لحظات، ومن ثم نحن أمام جهة قررت أن يكون المدنيين في المركز حتى لو كانوا نساء أو أطفال، هدفا لها، ما يعني أننا مقبلون على درجة أعلى من التوحش والجرأة.

 

يُضاف إلى ذلك هو القدرة على تمرير هكذا متفجرات إلى مكان كهذا في موقع يبعد بضع مئات من الأمتار من مقر وزارة الدفاع المصرية، ما يفتح الباب على مصراعيه للحديث عن الأمن ومدى كفاءته ومدى القدرة على اختراقه أو وجود متواطئين فيه يمكن شراء ذممهم أو لديهم تصورات تكفيرية أو داعشية تقبل بهكذا أفعال.

 

فدرس الخبرة من أحداث تفجيرات كنيسة القديسين يخبرنا أنه حتى الآن لا أحد يعلم ملابسات الحادث ومن وراء التفجير، ولولا الثورة لصدق الناس رواية داخلية العادلي، التي اتضح كذبها وأنها قتلت وعذبت أبرياء بلا ذنب وهو ما تكرر في حادثة مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.

 

وبالتأكيد الحديث لا يتحدث عن يقين بأن الداخلية وراء حادثة القديسين فهذا ما لا دليل عليه أيضا، لكن الباب مفتوحا على مصراعيه عن أحاديث الكفاءة وشراء الذمم أو التهاون أو التواطؤ داخل مؤسسة الداخلية المترهلة وداخل المنظومة الأمنية برمتها، لاسيما مع أساليب الحديد والنار المتخذة كمنهجا في الحكم منذ يوليو 2013.

 

لذا فإن خلاصة القول، فنحن أمام أطوار جديدة من العنف والاستهداف والطرق والأفكار تطل برأسها ونحن على مشارف عام جديد، لم يكن اعتاد الناس عليها سابقا في السنوات الثلاثة، ولا يمكن القياس على ما سبق في ما جرى، لاسيما أن الحجة السابقة كانت هي سيولة المشهد وحداثة الخبرات بعد سنوات من غياب عصور الاستهداف المنظم للمدنيين والأمن، لكن هذا كله يحدث الآن، وغيره من التفجيرات المتناثرة في سيناء وكفر الشيخ، بعد إعلان السيطرة والتمكن من قبل الداخلية في منطقة الوادي والعاصمة والمدن الكبيرة، وهو ما يعني أن الضغوط في الهامش ولدت عنف في المركز لم يكن في الحسبان، وأن استمرار مظالم المعتقلين والضغط العنيف على الأبرياء لاسيما حديثي السن منهم، ولد ثأرا لم يبدوا أن نيرانه قد أنطفأت. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.