شعار قسم مدونات

هنا حلب.. لا صدى!

blogs - syria
ويختلفُ الصدى
بوقعِ الخطى
يُثارُ الغبارُ لكثافة المدى
وطنٌ يموتُ!
وصمتٌ يملأ الورى
تخطو الطفلةُ، والقذيفةُ تتثاءبُ خلفها
تدنو الرماحُ من صدرٍ أبٍ
وصدرُ الأم مزقهُ العدى
يحنو الركامُ ويفزعُ
خطاهُ ثائرةٌ، لا صدى
في المدى، لا صدى
سوى جرحٍ عتيقٍ وطفلة
وفجأةً!
يصمتُ الوجعُ من خطا الجنودِ
ووقعِ لعابهم في حينا
والموتُ مُتعبٌ لكثرةِ الردى
طفلةٌ غفتْ تعبًا
وفي المدى لا صدى، بعد موت الطفلةِ
سوى نباحِ كلبٍ يزأرُ فوقَ صدرٍ مهشمٍ وركامٍ وطفلة
هنا حلبٌ ولا صدى سوى صوتِ موتٍ متعبٍ.

لا أجوبةَ شافيةَ دونَ وعي بحركةِ التاريخ، فالتاريخُ الآن يمرٌ بكل نقاطهِ عبرَ حلب، عبر المدينة العظيمة التي لولا دمشق لكانت عاصمةَ البلاد.

من قلبِ عمان أمسكُ القلم والخوفُ يملأني، لا خوفَ من ظلمٍ أواستبداد أوطغيان، لا خوف مما يحيطُ مدينةٍ صمدتْ في وجهِ ظلامها، لأن الأرض لا تموت، لأن الأرض لا تُهزم، بل الخوفُ يكتنزني من سؤال الله لي: ماذا صنعتَ لتُزيحَ ولو رجفةَ ظلمٍ طفيفةٍ عن قلوبٍ الأطفال والجوعى؟ لا جواب لدي، لا شعورَ إلا شعورُ القهرِ والعجز.

شعورٌ كئيبٌ يلجُ صديدَ أرواحنا، مشاهدةُ هذا الكم الفجيع من الموت، أمرٌ ليس بالهين، فلا مرضَ يقتلُ الناسَ، ولا إعصارَ يزيلُ البنيانَ ويخلق الدمار! لا طاعونَ قد تسللَ من فوهةِ جيراننا فقتل، هو الإنسان ذاته يصطاد ذويهِ ويقتلهم، ليلبي غرزيةَ الحيوانِ التي افترست كل إنسانيته، الموتُ بهذا الصورةِ مؤلمٌ على مشاهديهِ، مؤلمٌ على معاينيهِ ومجاوريهِ، حتى نوعيةُ الموتِ هنا منتقاةُ بأبشعِ صورها، منتقاة لأنَّ خطًا وأثبةً يمتطيها الظالمُ تحت سقفِ الأمميةِ، لتُحقق أهدافه وفق الجدول المسموحِ له.

لا يهمني كل هذا! فالحقٌ منصورٌ وعدًا، إذا ما توافقَ مع العدة، ما يهمني كيفَ لنا أن نكونَ رجال الحق المنصور وصانعيه؟ والأسئلةُ التي تُملي حضورها على طاولةِ المجتمعات الإنسانية في خضم هذا الرهان هي:  كم من الموتِ علينا أن نعيش ليكونَ هناكَ حدٌ لكل هذا؟ وكم من الموتِ سيصفعُ وجوهنا لنستفيقَ ونتعظ؟ أي نوعٍ منه عليهِ أن يرمينا به ظالمونا لتصحو مروءتنا؟ كم وكم وكم..؟ وهل بيعت حلب؟ أم بيعت ضمائرنا؟ 

يجب علينا أن نسألَ كل هذه الأسئلةِ، وعلينا وجوبًا أن نرتب الإجابات، ونتخذَ الموقفَ، للوقوفِ عندَ كل الأحداثِ ونبدلَ جريانها باتجاهاتها الحقة، فانتصارٌ الحقِ محتومٌ بوقوفنا أوعدمه، ليكونَ للأسئلةِ عودة في صدورنا، لنسأل موجعينَ ضمائرنا: لم تَخَاذُلنا؟ ولم اتكاؤنا على مشاهدةِ الموتِ والبكاء حسرةً فقط؟ لم لا نكون رجال الحق المنتصر لا المهزوم؟

لا أجوبةَ شافيةَ دونَ وعي بحركةِ التاريخ، فالتاريخُ الآن يمرٌ بكل نقاطهِ عبرَ حلب، عبر المدينة العظيمة التي لولا دمشق لكانت عاصمةَ البلاد دون أي جدالٍ وبوح، فالصحوةُ الصحوة، والعِبرة العِبرة، فالتاريخُ يهدأ كما لا نريد في بوابة حلب، وعلى حدود الموتِ وهوامش الجثث الممزقةِ من خفوت الضمير والمروءة.

هل تظنون أن الموتَ يوجع بالقنابل والقذائف؟ لا أظن أن شهداء حلب أوجعهم موتهم بهذا الشكل، ما يوجعهم هو امتطاء الكلابِ لناصيةِ التاريخِ ولو لبرهةٍ ولو زيفًا. هنا عمانَ ولا صوتَ سوى صوتِ القلم الذي يكتبُ خائفًا من السكوتِ عندَ السؤال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.