شعار قسم مدونات

التقوى لا تكفي

blogs - حماس

وقتٌ قليل فقط يفصل القاعدة الانتخابية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" عن اختيار قيادة الحركة الشورية والإدارية لها على مستويات الشُعب والأقاليم المختلفة، وهي انتخابات تأتي هذه المرة بالتزامن مع احتفاء الحركة بذكرى انطلاقتها التاسعة والعشرين، الأمر الذي يوجب على أعضاء الحركة التحلي بالمسئولية أكثر من أي مرة سابقة لاختيار من يمثلهم على سُلم الهرم التنظيمي للحركة التي لا تزال هي محط أنظار المظلومين من كافة أرجاء العالم لاستمرارها بالوقوف على أقدامها في وجه كل أحزاب الظلم والدمار العالمي.
 

وأمام القاعدة الانتخابية للحركة مسئولية عظيمة في اختيار القيادة الجديدة، وهذا الأمر إنما ينبع من الأهمية الكبيرة التي باتت تتمتع بها الحركة في مختلف أرجاء العالم- هذا من جانب-، ويكفي الحركة أن اسمها بات يشكل رعب لكل العواصم والأطراف التي تُنفذ مخططات القضاء على الشعوب الباحثة عن الحرية والعدالة الاجتماعية.
 

إن التقوى لا تكفي لاختيار القيادة الجديدة لحركة بحجم "حماس"، بل يجب أن تكون القيادة الجديدة تراعي اختيار الكفاءات القادرة على حمل أعباء هذه الحركة الكبيرة.

ومن جانب آخر، فالحركة بات الاهتمام بها ورصدها ومتابعتها يفوق اهتمام الكثير من الأطراف بدول قائمة على أقدامها، والتضحيات التي قدمتها الحركة ودماء أبنائها وقادتها التي سالت على درب التحرير الطويل واستمرار تمسكها بثوابت قضيتها الفلسطينية العادلة رغم تهاوي كل الأجنحة الإسلامية في كافة أرجاء العالم العربي والإسلامي، هو ما جعل الحركة تحتل اهتماماً غير منقطع النظير من قبل تلك الأطراف.

 

ما دامت هذه المقدمات سالفة الذكر وغيرها تحيط بالحركة، فهذا يُحتم عليها أن تؤدي لإفراز قيادة قادرة على خوض الأمواج المتلاطمة التي تتسابق لإغراق الحركة في وحل غزة. أنا لا أتحدث بالألغاز، فأبناء "حماس" واجب عليهم أن يضعوا كافة المتغيرات التي تحيط ليس بحماس وحدها وإنما كافة الحركات الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين- التي تنضوي تحت لوائها حماس- نصب أعينهم، ولا يكفي اختيار الشيخ الذي يعتلي المنبر ويُسعد الناس بخطبته العصماء "مع الاحترام لكل الدعاة الأفاضل"، ولا يكفي كذلك التواضع ونظافة اليد فقط فيمن نسعى لاختياره رغم أهمية هذه المواصفات.

 

بالمختصر: إن التقوى لا تكفي لاختيار القيادة الجديدة لحركة بحجم "حماس"، بل يجب أن تكون القيادة الجديدة تراعي اختيار الكفاءات القادرة على حمل أعباء هذه الحركة الكبيرة، فنحن بحاجة للسياسي المحنك والاقتصادي النهضوي والإعلامي المفكر، والاجتماعي المحبوب، والخطيب المفوه. نحن نحتاج إلى القائد الخبير والشاب الذي يحمل عنفوان التنمية والنهضة، والمرأة المربية. نريد القائد الذي يُشير إليه أبناء التنظيم قبل غيرهم بالبنان افتخاراً وإشادةً، بل نُريد المسئول الذي يشعر بالآخرين ويكون قوياً في قول الحق بعيداً عن المحاباة أو الخشية من ردة فعل المخطئ.
 

إن هناك العديد من الملفات الشائكة التي تنتظر قيادة حركة "حماس" الجديدة، وهي ملفاتٌ بحاجة لتشكيل في خارطة قادتها على مختلف المستويات؛ لإجراء التعديلات المناسبة في التعامل مع هذه الملفات، وهي ملفاتٌ بحاجة لسرعة حسم وإصدار قرار بعيداً عن أي تأجيل أو تسويف، ولعل من هذه الملفات ما يلي:

1- العلاقة مع حركة "فتح" وإمكانية التصالح معها من عدمه.

2- العلاقة مع الفصائل الفلسطينية وشكلها وأهمها حركة الجهاد الإسلامي وباقي الحركات السياسية والعسكرية الفلسطينية.

3- العلاقة مع مصر والبحث إما عن تطويرها أو البحث عن أساليب أخرى للتعامل معها، وبخاصة في ملفات حصار قطاع غزة وإغراق الحدود بالمياه العادمة والمعاملة السيئة في معبر رفح واستمرار اختطاف أربعة من خيرة شباب فلسطين.

4- البحث عن تطوير ونهضة التنظيم في الضفة الغربية والبحث عن أساليب جديدة للتعامل مع السلطة الفلسطينية التي تتقاطع مع الاحتلال الصهيوني في قتل المقاومة الفلسطينية والقضاء عليها.
 

5- ملف الجنود الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية ودراسة الوسطاء المناسبين لإنجاز صفقة جديدة مع الاحتلال الصهيوني بما يحقق أفضل النتائج للشعب الفلسطيني.

6- ملف النهضة بالواقع الفلسطيني المعيشي بداية، وإمكانية الاعتماد على الذات في إنشاء مشروعات كبيرة تقضي على البطالة المنتشرة بنسب كثيرة في الأراضي الفلسطينية.

7- دراسة ايجابيات وسلبيات وجود الحركة في الهرم السياسي الفلسطيني- أقصد المؤسسات التنفيذية للسلطة الفلسطينية- وتجاوز السلبيات وتعزيز الايجابيات، وإن كان ذلك سيؤدي للتراجع عن بعض الخطوات حال ثبت فشل اتخاذها مسبقا.
 

إن الناخب الحمساوي يجب أن يرتقي بتفكيره مرات ومرات وأن يبتعد عن العواطف أو العلاقات الشخصية خلال انتخابات القيادة المقبلة للحركة.

8- ينتظر القيادة الجديدة لحركة "حماس" دراسة الاعتداءات التي تعرضت لها من قبل العديد من الأنظمة العربية وعلى أراضيها، والبحث عن إمكانية تغيير الأدوات والاستراتيجيات في التعامل مع كل نظام على حدة.

9- موضوع بحث قيادة الحركة عن فتح ساحات جديدة غاب عنها العمل لعدة سنوات، أو لم يكن بالمستوى المطلوب، فمسألة حصر نشاط الحركة على ساحة قطاع غزة يشكل إهانة لها يجب أن تتجاوزها، فعمل هذه الحركة كما هو معلوم يشمل فلسطين كل فلسطين، وغزة لا تمثل إلا جزءا يسيرا من الوطن الكل.

10- الملفات الأهم ستكون ما يتعلق بحالة المواطن الفلسطيني الذي يعيش في قطاع غزة ويشكل حاضنة للحركة وبخاصة خلال اعتداءات الاحتلال والواجب تجاهه من قبل الحركة والبحث عما يرفع من شأنه أكثر وأكثر ويخفف من معاناته اليومية التي لا ينكرها إلا كل جاهل ناكر للجميل.

 

إن الناخب الحمساوي يجب أن يرتقي بتفكيره مرات ومرات وأن يبتعد عن العواطف أو العلاقات الشخصية خلال انتخابات القيادة المقبلة للحركة، فالعاطفة لن تجعل من الناخب إلا أن يعض على أصابعه إن هو اختار قيادة على معايير لا تناسب صعوبة المرحلة التي تعيشها الحركة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.