شعار قسم مدونات

حلب.. الحب والأحلام

Men react as they stand outside buses evacuating people from a rebel-held sector of eastern Aleppo, Syria December 15, 2016. REUTERS/Abdalrhman Ismail

لا شيء يدعو للأسف، فمن البديهي أن انعدام التنظيم وغياب استراتيجيات واضحة للثورة قد يقضيان عليها كما يذهب عزمي بشارة، ولم يقض أحد بعد على الثورة في سوريا، فلا قبر يتسع لثورة والأحلام لا تموت، وإذا كان بمقدورك أن تستلهم أن إنسانيتك هي أمر يستحق التضحية من أجله، حتى لو منيت بخسارة، ولم يؤد ذلك إلى أي نتيجة، فأنت تكون رابحاً وتكون قد ألحقت الهزيمة بكل الخصوم، كما دون جورج أورويل في ١٩٨٤.
 

يدون المبعدون عن حلب عبارات على الجدران تشي بأن هذه الأرواح لن تموت، يخط أحدهم "سنرجع يوماً"، وعلى جدار مبنى متهالك من جراء القصف يدون ثائر آخر "وغلاوة الشهداء راجعين"، ويكتب آخرون في خضم الحرب والدمار والدماء عبارات عن الحب، هذا شعب أراد الحب دستوراً للبلاد فأبى الأسد إلا أن تجري أنهار الدم في كل شارع لأجل دستورٍ يبقى "الأخ الأكبر يراقبك" المادة الوحيدة فيه.
 

تكلفة الثورة كان يمكن أن تكون تكلفة صفرية لو قرر الأسد أن رحيل فردٍ واحدٍ عن السلطة هو أمر ممكن وأن الحرية والكرامة التي ينادي بها الشعب هي خيار حتمي يمكن تحقيقه.

في لوحة جدارية أخرى يكتب ثائر على جدار المدينة ما يمكن اعتبارها لوحة خالدة تجسد الحب والثورة في زمن الحرب " حدثيني عن الثورة والحرية والنضال.. ثم قبليني"، وفي صورة خالدة أخرى يكتب آخر اقتباساً عن الشاعر الدمشقي نزار قباني "أحبيني بعيداً عن بلاد القهر والكبت / بعيداً عن مدينتنا التي شبعت من الموت" مذيلاً عبارته / لوحته بـ "حلب آخر يوم ١٥ / ١٢ / ٢٠١٦".
 

يبكي الحلبيون مدينتهم، وتبكي الدنيا معهم، غير أنه من الجيد أن نشير إلى حقيقة بديهية يتوجب علينا استذكارها في كل لحظة تبرز فيها مشاهد الخراب للعلن، هذه الحقيقة بديهية بالطبع لكن من يملكون ذاكرة مشوهة ووعياً مختلاً غير قادرين على إدراكها أو تذكرها باستمرار.

هذه الحقيقة تقول أن تكلفة الثورة كان يمكن أن تكون تكلفة صفرية لو قرر الأسد أن رحيل فردٍ واحدٍ عن السلطة هو أمر ممكن وأن الحرية والكرامة التي ينادي بها الشعب هي خيار حتمي يمكن تحقيقه بأقل الخسائر، غير أن سلطة "الأخ الكبير" اختارت أن تخوض حرباً ضد أحلام الشعب، وحين عجزت، أوغلت في الحقارة باستدعائها لقوى أجنبية للقيام بمهمة زرع الموت في أحلام الناس بعد أن عجزت هي عن القيام بهذه المهمة.
 

أما الأسد، فقد أدهشنا منذ البدء، وما زال يفعل، فرغ من تدمير حلب وسوى أبنيتها بالأرض وزرع الموت بين أناسها وبث الخوف في أطفالها وأحال المدينة الجميلة إلى كومة خراب ومسرحاً لأكثر المجازر دموية في القرن، وسلم البلد للإيرانيين والروس، ثم انشغل يتفاخر برفع قطعة قماش خط عليها لون أحمر وأبيض وآخر أسود ونجمتين خضراء في الوسط ترمز لعلم وطن الأسد وحده.

هذه هي وطنية الأسد، قطعة قماش ترفع في حين يباد نصف الشعب ويختفي كل الوطن، وقبل أن يغادر أحدهم حلب كتب تذكاراً للأسد وقواته "أبنيتنا المدمرة شاهدة على صمودنا وعلى إجرامك".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.