شعار قسم مدونات

المقاومة الأخيرة ضد الشعبوية

Marine Le Pen, French National Front (FN) political party leader, gestures during an FN political rally in Frejus, France, September 18, 2016. REUTERS/Jean-Paul Pelissier/File Photo
القدس – في وقت سابق، مباشرة بعد إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990، كان العديد من الفرنسيين يخشون ألمانيا. اليوم، لقد تم عكس الأدوار. لكن الألمان لا يخشون فرنسا بنفس القدر. في أعقاب استفتاء البريكست في يونيو في المملكة المتحدة وفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في أوائل هذا الشهر، من الممكن أن تقع فرنسا أيضا ضحية للقوات الشعبوية المدمرة، وذلك إذا اختار الناخبون مارين لوبان عن الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة كرئيستهم المقبلة.
 

قد يُسعد الألمان أن وسائل الإعلام الأمريكية اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "محامية الغرب الليبرالي الأخيرة" -وأن ألمانيا بمثابة جزيرة من الاستقرار في محيط من الفوضى. ويمكن وصف ألمانيا كأفضل تلميذ في الصف- ولو أنها تعودت على ذلك؛ والآن تشعر وكأنها التلميذ الوحيد الذي يحضُر على الإطلاق.
 

نظرا للمخاطر التي تواجه أوروبا، ناهيك عن نزعات ترامب الانعزالية، فإن العلاقة الفرنسية الألمانية ستتولى مزيدا من الأهمية الإقليمية والعالمية.

مع خروج الولايات المتحدة، فقد تبقى عدد قليل من التلاميذ النجباء. وعلى الرغم من تراجع ترامب عن بعض وعوده الأساسية، من غير المرجح أن يتخلى عن نهج "أمريكا أولا". ونتيجة لذلك، قد تكون الولايات المتحدة على وشك الانفصال بشكل حاسم مع الشمولية والمشاركة العالمية التي ميزت السبعين سنة الماضية.
 

الوضع ليس أفضل في أوروبا. فبولندا تسير على خطى المجر المتعصبة. النمسا، جارة أخرى لألمانيا، قد تكون على وشك انتخاب نوربرت هوفر كرئيس، اليميني المتطرف عن حزب الحرية القومي. والبريطانيون هم في طريقهم للخروج من الاتحاد الأوروبي البتة.
 

لكن لا شيء سيزعزع استقرار ألمانيا مثل رئاسة لوبان في فرنسا. إن فوز لوبان لن يؤدي إلى التخلي عن ألمانيا فحسب، بل أيضا إلى التخلي عن القيم والمبادئ والمعايير التي مكنت ألمانيا من التصالح مع نفسها ومع جيرانها، بدءا من فرنسا. و سيتسبب ذلك في فك المحور الفرنسي الألماني الذي يدور حوله الاتحاد الأوروبي.
 

ما هو مطلوب الآن هو العكس تماما: إعادة الدفء للعلاقات الفرنسية-الألمانية. والحقيقة أن ألمانيا وفرنسا لم تكونا متحالفتين بما فيه الكفاية لفترة من الوقت. ليس لأن ألمانيا أصبحت قوية جدا، كما بدا في فترة ما بعد التوحيد، بل لأن فرنسا أصبحت ضعيفة للغاية، تاركة ألمانيا تتولي الأمور في معالجة أزمات لا تعد ولا تحصى في أوروبا في السنوات الأخيرة.
 

الآن، يُنظر إلى ألمانيا كقوة مهيمنة في أوروبا. ولذلك سلم الرئيس الأمريكي باراك أوباما السيدة ميركل شعلة الديمقراطية بعد فوز ترامب، خلال جولته الرسمية النهائية في أوروبا.
 

لكن ميركل لا تستطيع حمل هذه الشعلة لوحدها. يجب أن تقف فرنسا جنبا إلى جنب مع ألمانيا ، كما فعلت سابقا. ولكي يحدث ذلك، يجب أن تكون فرنسا، صلبة، قوية، وواثقة من نفسها، مثل ألمانيا. ويجب أن تجدد نفسها، مسترشدة بقيمها الخاصة الطويلة الأمد – القيم التي لا تشاركها لوبن وجبهتها الوطنية.
 

فرنسا ليست بحاجة لتتوافق مع القوة الاقتصادية لألمانيا. ما يمكن تقديمه في الوقت الحاضر ليس أقل أهمية. وبالنظر إلى مواجهة أوروبا لمجموعة من التهديدات الخارجية، مثل الاضطرابات في الشرق الأوسط والمغامرة الروسية، والتحديات الداخلية، مثل الإرهاب الداخلي، لا يمكن للأمن والدفاع أن يأخذا المقعد الخلفي للسياسة الاقتصادية. وفي هذه المجالات، لدى فرنسا مزايا حقيقية نِسبيا.
 

نظرا للمخاطر التي تواجه أوروبا، ناهيك عن نزعات ترامب الانعزالية، فإن العلاقة الفرنسية الألمانية ستتولى مزيدا من الأهمية الإقليمية والعالمية. ومع قيادة لوبان، ستعاني هذه العلاقة بشكل مؤكد، مما سيقود الأحداث في اتجاه خطير.
 

إذا ما تمكنت لوبان من النجاح في نظام الانتخابات بفرنسا، فإنها ستكسب ولاية قوية وحقيقية لتنفيذ السياسات التي ستتنكر لكل تعاون مع ألمانيا لما بعد الحرب.

ومن المؤكد أن نظام التصويت من جولتين في فرنسا، والذي يضمن حصول الرئيس على دعم أغلبية الناخبين، يجعل من غير المحتمل أن تفوز المرشحة المتطرفة لوبان بمنصب الرئيس. (على النقيض من ذلك، في الولايات المتحدة، حصل ترامب على أكثر من مليوني صوت أقل من منافسته، وخسر جورج دبليو بوش التصويت الشعبي لصالح آل غور في عام 2000 بأكثر من نصف مليون).
 

لكن نظرا للاضطرابات الانتخابية التي حدثت في الآونة الأخيرة، لن يطمئن الألمان حتى بعد أن يتم فرز الأصوات. على كل حال، إذا ما تمكنت لوبان من النجاح في نظام الانتخابات بفرنسا، فإنها ستكسب ولاية قوية وحقيقية لتنفيذ السياسات التي ستتنكر لكل تعاون مع ألمانيا لما بعد الحرب، كما سترفض الاتحاد الأوروبي.
 

بالطبع، لدى ألمانيا تحديات سياسية خاصة ينبغي التغلب عليها، في ظل الانتخابات الاتحادية المقررة في أكتوبر المقبل. كما أخذت الانتخابات الأخيرة منحى شعبويا بشكل مثير للشكوك، وخاصة في ما يتعلق بقضية اللاجئين، مع فوز حزب بديل ألمانيا، الجبهة الوطنية الألمانية، مؤخرا في بعض المناطق.
 

ولكي تظل ألمانيا دعامة للاستقرار كما كانت عليه في السنوات الأخيرة، عليها تجنب الذهاب أبعد في هذا المسار، وبدلا من ذلك عليها تسليم ولاية رابعة لميركل. لحسن الحظ، لا يزال هذا السيناريو محتملا، وإن كان غير مضمون.
 

على أي حال، سيتم تحديد المسار السياسي الفرنسي قبل الألماني. ولضمان مستقبل آمن ومزدهر، يجب على الناخبين الفرنسيين تأييد مرشح يتحلى بالسلطة، والحكمة، والخبرة، والذي سيكون على استعداد وقادر على إجراء الإصلاحات اللازمة على وجه السرعة دون إحداث تفاقم الانقسامات الاجتماعية، شخص مختلف تماما عن مارين لوبان. بالقيام بذلك، سيثبتون أن الموجة الحالية من الشعبوية اليمينية يمكن مقاومتها. وسيعطون المشروع الأوروبي فرصة حقيقية للنجاح المستمر.
 ____________________________________________________

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2016.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.