شعار قسم مدونات

الربيع العربي لن يموت أبدا

Algerian Foreign Minister Ramtane Lamamra (L) attends the 17th Non-Aligned Summit in Porlamar, Venezuela September 15, 2016. REUTERS/Marco Bello

التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة على هامش ملتقى السلم والأمن في إفريقيا والتي قال فيها "ما يحدث في حلب هو أن الدولة استعادة سيادتها على المدينة" وأن "الإرهابيين كانوا يحلمون"، جاءت بعد أن استقبل الوزير الأول عبد المالك سلال اللواء خليفة حفتر قائد الثورة المضادة في ليبيا والذي أكدت فيها الجزائر على ضرورة الوحدة الترابية الليبية وبالتالي أكدت موقفها غير المعلن بشكل صريح بتأييد للثورات المضادة وللأنظمة الاستبدادية في المنطقة.
 

صحيح أن السياسة الخارجية الجزائرية اتجاه كل ما يدور حاليا في العالم سجلت الكثير من النقاط لصالحها وأثبتت نجاعتها وقدرتها على الصمود والتزام الحياد وعدم الإثارة بمبدأ عدم التدخل في شؤون الغير وإيثار الوحدة الوطنية والمفاوضات السياسية على أي تدخل أجنبي>

نجاح السياسة الخارجية حاليا مرهون بعدم توجه المطامع الدولية للمنطقة وليس نظرا لقوة الموقف الجزائري والقدرة على الصمود عليه.

ولكن هناك الكثير من النقاط كذلك تسجل ضد الجزائر وقد تعمل ضدها مستقبلا، فكل المبادئ الناجحة لحد الآن في السياسة الخارجية تملك في طياتها تناقضات، أول هذه التناقضات هو مبدأ عدم التدخل في شؤون الغير بينما أيدي الجزائر طويلة في قضية الصحراء الغربية، كما أن الجزائر تردد دائما مبدأ احترام حرية الشعوب في تقرير المصير، وذلك ما طالب به جزء كبير من الشعب السوري.
 

تصريحات لعمامرة وإن كان بالإمكان قبولها من حيث أهمية الوحدة الوطنية ورفض الإرهاب، إلا أنها تتجاهل بشكل صارخ حقوق الشعب السوري الرافض للنظام وتغض الطرف عن مقتل المئات من الأطفال والنساء تحت طائل القصف باسم الوحدة الوطنية واسترجاع السيادة، فأي سيادة يا سيادة الوزير والقاصف أجنبي؟ هل السيادة تقوم على حساب أهل الأرض؟ من سيحكم بشار الأسد إن لم يحكم أهل حلب؟
 

ما فائدة السيادة إن كانت على التراب والجبال والسهول دون أهله؟ سيادة الوزير ألا ترى التدخل الروسي والإيراني في القضية؟ ما هو مستقبل السيادة السورية على حلب في ظل المزايا التي من الأكيد أنها ستمنح لروسيا؟ هل السيادة الوطنية لا تعتبر سيادة إذا تدخلت أمريكا ومن معها وتعتبر كذلك إذا كانت السيادة تحت مظلة روسية؟ ربما يجب إعادة تعريف معنى السيادة بحذف منها الشعب والاستقلالية، فبشار لن يحكم سوريا دون روسيا وإيران ولن يحكم تراب حلب بسكانه الأصليين.
 

سياسة الجزائر الخارجية وإن بدت واقعية وحتمية في ظل الظروف الراهنة إلا أن حقيقتها سطحية وغير دائمة وتعاني خطر الذوبان والاضمحلال في أي لحظة للأسباب التالية:
• السياسة الخارجية يجب أن ترفقها سياسة داخلية مبنية على مشروع واضح المعالم هدفه تحسين وتحصين الواقع الداخلي سواء من الناحية الاقتصادية والاجتماعية أو من الناحية السياسية وحتى الجهوية.
 

النظام الجزائري مثل أغلبية الأنظمة العربية يعاني من مشكل الشرعية، وهو المشكل الذي يتسبب في كل مرة في ثورات أو خيانات أو حتى هروب كفاءات للخارج.

• اللعب على الساحة الدولية يتم في إطار تحالفات استراتيجية تكون دائمة قدر المستطاع، وهو الذي لا تتوفر عليه الجزائر بما أنها زهدت في حلفاء المنطقة، الدين، اللغة والتاريخ وتبحث عن حلفاء المصالح مثل روسيا أملا في إبقاء توازن بين مد يد لأمريكا وفرنسا تارة ولروسيا والمعسكر الآخر تارة أخرى. فكيف يمكن تفسير غلق الحدود مع المغرب سياسيا واقتصاديا؟ هل من مستقبل للسياسة الخارجية في المنطقة بعيدا عن البعد الإفريقي والمغاربي؟ نجاح السياسة الخارجية حاليا مرهون بعدم توجه المطامع الدولية للمنطقة وليس نظرا لقوة الموقف الجزائري والقدرة على الصمود عليه.

• النظام الجزائري مثل أغلبية الأنظمة العربية يعاني من مشكل الشرعية، وهو المشكل الذي يتسبب في كل مرة في ثورات أو خيانات أو حتى هروب كفاءات للخارج، ثم يتم معالجها بطرق استبدادية إقصائية في إطار فكرة نظرية المؤامرة والأيادي الخارجية والتي قد تنجح مؤقتا ولكن تعود مجددا حتما.
 

في الأخير، يبدو جليا ولكن سطحيا انتصار الثورات المضادة، في مصر يحكم العسكر، في تونس وجه من أوجه النظام القديم، في ليبيا يجري الحديث عن عودة إسلام القذافي أو انتصار حفتر، وخاصة ما يحدث في حلب والذي يعتبر أسوأ ما يمكن أن يصل إليه الدكتاتور من غطرسة وتجبر، فيقوم بتهجير شعبه بمساعدة جهات أجنبية على أمل أن يجلس في كرسي وحوله حطام.
 

بنظرة سطحية مماثلة قد يبدو لمن يحبس تفكيره في الزمان والمكان أن الأمر قد قضي وأن الفشل كان نصيب تحرك الشعوب وأن العودة للأسوأ أصبح أمر حتميا، ولكن التاريخ لا يكتب بهذه الطريقة، صحيح قد لا يتمكن الجيل الذي صنع هذا التحرك من قطف الثمار لأن عمر الإنسان أقصر من النظرة التاريخية ومن سنن التغيير في الكون، ولأن عقله قاصر يركز فقط على الصغير المباشر الذي يراه أمامه، ولكن الحقيقة أن نجاح الثورة الفرنسية في بعض التقديرات تطلب 80 سنة، وأن الأمر لا يقاس بالسلاح بل بالفكرة، لا يقاس بعدد القتلى بل يقاس بعدد الذين تغيرت ذهنياتهم.
 

التغير في الذهنيات هو أهم من التغير من الأوضاع على المدى القصير، والمقصود بالذهنيات هو ذهنيات الجميع دون استثناء بما فيها نظرة الأنظمة.

الجزائر التي تحرك شعبها أولا في 1988 كانت مطالبه ظاهريا اقتصادية ولكن الحقيقة أنه كانت هناك مطالب ولو خفية تتعلق بالحريات الدينية والسياسية، فالجميع يردد أن "الجبهة الإسلامية للإنقاذ تم الانقلاب عليها" وعاد العسكر للحكم، ولكن للأسف هذا خطأ يرتكبه الكثيرون في قراءة التاريخ، فيتم الاعتماد دائما على تواريخ أو فوارق سياسية مع إهمال الأبعاد الأخرى، في الجزائر اليوم تحققت الكثير من مطالب تحرك 1988، فأصبح من له رأي يمكن أن يكون له حزب ومن يريد أن يطلق اللحية يمكنه أن يطلقها دون رقابة والذي يريد أن يطيل لسانه على الحكام يمكنه ذلك وغيرها.
 

قد يقول قائل أنها حرية مزيفة أو أنه تقدم طفيف، والجواب هو أن المقياس التاريخي لا يشبه مقياسك في عد السنين والأحزاب التي تراها اليوم هزلية، هي عبارة عن مخاض ضروري تمر به الساحة السياسية للمرور إلى ما هو أحسن مستقبلا تماما مثل العصفور الخارج لتوه من القفص بعد سنوات في الأسر فلا يحسن الطيران.
 

الأكيد أن هذا الأمر نسبي ويحتاج لكثير من النظريات في علم الاجتماع والسياسة لشرحه، ولكن المؤكد هو أن الفكرة قد انطلقت في ربوع الوطن العربي وقد تتعطل لسنوات ويبدو أن الأمور تدهورت عوض أن تتحسن ولكن التغير في الذهنيات هو أهم من التغير من الأوضاع على المدى القصير، والمقصود بالذهنيات هنا هو ذهنيات الجميع دون استثناء بما فيها نظرة الأنظمة والتي تتشكل أصلا من أناس جاءوا من عمق المجتمع وقد لا يلحظ التغيير إلا من يملك قدرة التجرد من الزمان والمكان لتغيير زاوية النظر ومقارنتها بما حدث سابقا وبالسنن الثابتة في التغيير، فمن المعلوم لدى الجميع أنه لا شيء ثابت إلا التغيير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.