شعار قسم مدونات

حلب بأعينٍ فلسطينية

FILE PHOTO - People walk as they flee deeper into the remaining rebel-held areas of Aleppo, Syria December 13, 2016. REUTERS/Abdalrhman Ismail/File Photo
يتكرر المشهد ذاته بنفس التفاصيل المؤلمة، أناسٌ تُرحل عن أرضها وبيوتها وسط الدمار والخراب وتخاذلِ وصمت الجميع ولكن مع بعض الفروق البسيطة أهمها:

 

– عِلْمُ السوريين المسبق بتجربة الفلسطينيين إذ لم يتوقع أحد منهم استمرار قضيتهم لهذه المدة من الزمن. حتى قيل بأن اللاجئين حين تركوا بيوتهم تركوا الطعام على النار، فلم يخطر ببال أحد منهم حتى أكثر المتشائمين أنهم لن يعودوا إلى هذا الوطن وإلى شجرة الزيتون تلك، لم يدركوا أنها هجرة بلا عودة!

 

الوطنُ أعظم من خريطةٍ معلقةٍ على طرف الحائط تخفي شقوق المنزل، وأقوى من حكومة تستبدُ شعبها ليعبدوا رئيسهم وكأنه هٌبَلْ، وأجمل من علم مكونٍ من عدة ألوان يرفرف فوق وزاراته وينكسُ أكثر مما يرفع! 

هذا هو الفرق المهم، فأغلبية الحلبيين حينما غادروا بيوتهم المهدمة اليوم في عربات الصليب الأحمر كانوا متأكدين أن هذا الوطن الجميل انتهى (في الوقت الحالي)، والعودة إليه شيء مستحيلُ ولكنهُ مأمول رغم ذلك، وتحول لصورٍ ضبابية ستراودهم في أوقات فراغهم كلما حاولوا الانغماس في الحياة الجديدة بعيداً عنه. ومن الجدير ذكره أن منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة وكل طرف شارك في توفير مخرج آمن لهم، لم يعلم مقدار الألم الذي يعاني منه الشخص حين يترك أرضه، فكأنما تُبتَرُ ذاكرته من عقله ولا ينتهي ألمها مع الزمن بل يزداد كل يوم!

 

يا سادتي في الغربة والمنفى يحن اللاجئ لكل شيء حتى لمعلمه الذي كان يعاقبه في الفصل! وجاره المؤذي وزميله المشاكس وسقوط مياه الأمطار عليه من مزاريب البيوت.

 

– ثاني فرق وهو الأخطر اذ تمت هذه الهجرة في عصر ما يسمى عصر الحرية والديمقراطية وعصر الثورة الإعلامية وهذا عكس ما حدث في فلسطين حينما كانت تبث الإذاعات العربية بيانات الانتصار والمعارك الدامية مع اسرائيل وخطابات الزعماء النارية حتى ظن الناس أن الفتح الإسلامي اقترب! أما اليوم فلا يوجد انسان إلا ورأى نكبة حلب خاصة وسوريا عامة أكثر من أهلها المحاصرين ربما لكن لم يحرك أحدٌ ساكناً، لا أتحدث عن عامة الشعب مثلي ومثلك ولكن عمن في يديه القرار ولكنه خائف وهم كثر.

 

على صعيدٍ شخصي، كنت قديماً كلما تذكرت رفض والدي للجنسية الألمانية ورجوعه للوطن في عز مصائبه شعرت بالخطأ الجسيم في وجهة نظر والدي ويكأنه ارتكب أعظم جرمٍ في حياته، إذ أتى بي إلى هذا الوطن المحاصر ولكنني بعدما خضت تجربة الغربة مثله عرفت معنى الوطن حقاً وما معنى صباحُ الغربة ومساءها وسعادتها وأحزانها كل شيء فيها مؤلم فاذا فرحت تذكرت غياب الأحبة وعدم مشاركتهم سعادتك فشعرت بنقصها وإذا حزنتَ لم تجد من يساندك ويخفف عنك فاشتد حزنك وبؤسك أكثر.

 

وصفت رضوى عاشور الوطن في روايتها "الطنطورية" حق الوصف في مفارقة بين الوطن والمنفى وحيثيات الهجرة فهو الحكايا والقصص التي تحكيها لأبنائك قبل نومهم كل ليلة لينعموا بأحلامٍ سعيدة في بلادهم الجديدة.

 

الوطنُ أعظم من خريطةٍ معلقةٍ على طرف الحائط تخفي شقوق المنزل، وأقوى من حكومة تستبدُ شعبها ليعبدوا رئيسهم وكأنه هٌبَلْ، وأزهى من صوره المعدلة على الفوتوشوب، وأكبر من سهوله وجباله ومساحته الخيالية المكتوبة في كتاب الصف الأول الابتدائي وأجمل من علم مكونٍ من عدة ألوان يرفرف فوق وزاراته وينكسُ أكثر مما يرفع! وأعذب من نشيده الوطني كل صباح بأصوات طلبة المدارس الحالمين بمستقبل جميل مشرق! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.