شعار قسم مدونات

دور الجهاد في فكر البنا ودعوته (2)

blogs-حسن البنا
تحديد المهمة:

ما فتئ رحمه الله، يذكر إخوانه خاصة، والمسلمين عامة بحقيقة مهمتهم التي خلقوا لها، فيقول: " أيها المسلمون، عبادة ربكم والجهاد في سبيل التمكين لدينكم، وإعزاز شريعتكم، هي مهمتكم في الحياة، فإن أديتموها حق الأداء فأنتم الفائزون، وإن أديتم بعضها أو أهملتموها جميعاً فإليكم أسوق قول الله تبارك وتعالى: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ" المؤمنون.. ويضيف " لهذا المعنى جاء في أوصاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم صفوة الله من خلقه والسلف الصالح من عباده: (رهبان بالليل فرسان بالنهار) ترى أحدهم في ليلة ماثلاً في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: (يا دنيا غري غيري)، فإذا انفلق الصباح ودوى النفير يدعو المجاهدين، راتبة رئبالاً على صهوة جواده، يزأر الزأرة فتدوي لها جنبات الميدان".

 

لا تحيا الدعوة إلا بالجهاد، وبقدر سمو الدعوة وسعة أفقها تكون عظمة الجهاد في سبيلها، وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها، وجزالة الثواب للعاملين.

الجهاد هو الميدان:

كان رحمه الله يتخذ من الجهاد ميزاناً يزن به الدعوات ورجالها، ولا يعتبر أياً من ذلك شيئاً مذكوراً ما لم يكن ثقيلاً في ميزان الجهاد في سبيل الله، فانظر إليه وهو يربط حياة الدعوة بالجهاد بقوله: (ولا تحيا الدعوة إلا بالجهاد، وبقدر سمو الدعوة وسعة أفقها تكون عظمة الجهاد في سبيلها، وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها، وجزالة الثواب للعاملين "وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ".

" إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ ".

" إن رجل القول غير رجل العمل، ورجل العمل غير رجل الجهاد، ورجل الجهاد فقط غير رجل الجهاد المنتج الحكيم الذي يؤدي إلى أعظم الربح بأقل التضحيات ".

 

تفريق حكيم:

نلاحظ كيف جعل، رحمه الله، الجهاد جهادان: الجهاد الحق، والجهاد الخاطئ، وفي هذا دلالة على فراسة الرجل، وعمق بصيرة وصواب فقهه. فالجهاد الحق عنده هو الجهاد الذي يؤدي إلى أعظم الربح بأقل التضحيات، وهذا يعني ضرورة أن يكون الجهاد قائماً على التخطيط الصحيح الذي يأخذ بالأسباب، بعيداً عن الارتجال والعشوائية.

 

والجهاد الحق عنده أيضاً هو الذي يقوم على أساس متين وقوي من التربية والاستعداد الحق، الذي لا يقع فريسة الكثرة الغثائية، بل فيطلب إليهم وقد سألوا عن الخطوة التنفيذية وقد كثر الأنصار وازدادت الأعداء وأقبل الناس على الدعوة، فيقول رحمه الله : " يسهل على كثيرين أن يتخيلوا، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوالاً باللسان، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكن قليلاً من هذا الكثير يثبت عند العمل، وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل، ولكن قليلاً منهم يقدر على حمل أعباء الجهاد الشاق، والعمل المضنى ".

 

ثم يقول: " وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار قد يخطئون الطريق، ولا يصيبون الهدف، إن لم تتداركهم عناية الله ". ثم يؤكد على أهمية التربية فيقول: " فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختيار الدقيق، وامتحنوها بالعمل، العمل القوي البغيض لديها الشاق عليها، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها. نعم، فقد كان يدرك رحمه الله، أن الجهاد ليس خياراً سهلاً بسيطاً، يمكن أن يتحمل أعباءه الجميع، أو أن يثبت في ميدانه المقصرون.

 

يقول البنا: أعددنا للجهاد إيماناً لا يتزعزع، وعملاً لا يتوقف، وثقة بالله لا تضعف، وأرواحاً أسعد أيامها يوم تلقى الله شهيدة في سبيله

الجهاد هو الحياة:

يؤكد- رحمه الله- أن الجهاد هو الحياة للأمم والأفراد والجماعات والدعوات على حد سواء، ولا يمكن أن تحيا أمة من الأمم، أو دعوة من الدعوات، بغير الجهاد،.. وفي هذا قوله: " ولا تحيا الدعوة إلا بالجهاد، وبقدر سمو الدعوة، وسعة أفقها، تكون عظمة الجهاد في سبيلها، وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها، وجزالة الثواب للعاملين: "وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ". الحج.

ولذلك تراه يؤكد على خيار الجهاد في مسيرة هذه الدعوة المباركة، ".. وسنجاهد في سبيل تحقيق فكرتنا، وسنكافح لها ما حيينا، وسندعو الناس جميعاً إليها، وسنبذل كل شيء في سبيلها، فنحيا بها كراماً، أو نموت كراماً، وسيكون شعارنا الدائم: الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا ".

 

عدة المجاهدين:

وفي هذا يقول الأستاذ البنا-رحمه الله-: " وقد أعددنا لذلك إيماناً لا يتزعزع، وعملاً لا يتوقف، وثقة بالله لا تضعف، وأرواحاً أسعد أيامها يوم تلقى الله شهيدة في سبيله ".

 

الإعداد والتربية.. طريق الجهاد:

كان، رحمه الله، يعتقد اعتقاداً جازماً أن الطريق المؤدي إلى الجهاد هو طريق الإعداد والبذل والجهد المضاعف والتربية الصحيحة التي ترتقي بها النفوس، وتسمو بها الهمم فيقول : " وفي الوقت الذي يكون فيها منكم – معشر الإخوان المسلمين – ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها روحياً بالإيمان والعقيدة، وفكرياً بالعلم والثقافة، وجسمياً بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل جبار عنيد، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : ( ولن يُغلب اثنا عشر ألفاً من قلة ) ". ص128

 

ثم يقول، باثاً الأمل، ومؤكداً على قدر ما يبذله إخوانه من جهد وعطاء: " إني أقدر لذلك وقتاً ليس طويلاً بعد توفيق الله، واستمدوا معونته وتقديم إذنه ومشيئته " ثم يلتفت إلى أهمية دور القيادات الإخوانية في الميدان والفروع.. فيقول: " وقد تستطيعون أنتم معشر نواب الإخوان ومندوبيهم أ، تقصروا هذا الأجل، إذا بذلتم همتكم وضاعفتم جهودكم، وقد تهملون فيخطئ هذا الحساب، وتختلف النتائج المترتبة عليه، فأشعروا أنفسكم العبء، وألفوا لكتائب، وكونوا الفرق، وأقبلوا على الدروس وسارعوا إلى التدريب وانشروا دعوتكم في الجهات التي لم تصل إليها بعد، ولا تضيعوا دقيقة بغير عمل " ص128

 

يتبع الجزء الأخير إن شاء الله

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.