شعار قسم مدونات

إذا الشعب يوما أراد الحياة

blogs- الزواري

"إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي، ولابد للقيد أن ينكسر" ..
هكذا ترددت على مسامعي هذه الأبيات لأكسر جبن نفسي و أنتفض من أجل الوطن. لم أصدق أن هذا الشعب الذي صمت عقودا طويلة سيقف وقفة رجل واحد لإنهاء عهد الديكتاتورية.

ليس لنا كشباب ما نخسره أكثر؛ نسب بطالة مرتفعة، تضييق كبير على الحريات، رشى، محسوبية، هرسلة .. فهمنا الدرس وأدركنا معاني التضحية

يومها كنت بالبيت في فترة عطلة، نجهز جميعنا لاجتياز امتحانات السداسي الأول. أوراق مبعثرة هنا وهناك، كحال الوطن، فقرات من الدرس غير موجودة، كبعض أبناء الوطن اللاجئين خارج الحدود. بعض الكلمات غير مفهومة في الدرس كوضعنا.

كل العوامل تدفعني كرها للتكاسل عن إتمام المراجعة، لم تمض ساعات حتى اتصل بي زميل يقول بصوت مرتعش "قاعدة تسمع؟" أجبته "ماذا؟" فرد بسرعة "لا أستطيع الكلام ..تخربت .. تخربت في سيدي بوزيد!" فهمت آنذاك أن "أيمن" يشير إلى أمر ما..

مرت الساعات كأنها دهر حتى علمت أن شابا من أهالي سيدي بوزيد أضرم النار في جسده وأن سكان المدينة في حالة غليان. اشتعلت نيران الثورة مع اشتعال آخر عود ثقاب في جسد "محمد البوعزيزي".

خرج الشارع التونسي و في مقدمته شباب في ربيع العمر؛ بعضهم ولد سنة انقلاب المخلوع و بعضهم ولد في زمن النكبة التونسية أيام القهر والظلم، زمن رجيم معتوق و برج الرومي و غيرها من الأماكن الشاهدة على جرم تتار تونس.

ليس لنا كشباب ما نخسره أكثر؛ نسب بطالة مرتفعة، تضييق كبير على الحريات، رشى، محسوبية، هرسلة .. فهمنا الدرس وأدركنا معاني التضحية..علينا ألا نصمت هذه المرة وأن ننهي إلى الأبد معركتنا مع الديكتاتورية.

خرجنا إلى الشارع نردد "شغل .. حرية .. كرامة وطنية" ثم تطور الشعار "وحدة وحدة وطنية ضد العصابة الطرابلسية".. إلى الآن لم يذكر الطاغية بالإسم و إن كنا نبطن ذلك. تدرجت الشعارات في الفترة الممتدة بين 17 ديسمبر و 14 جانفي (يناير) إلى أن وصلنا إلى "خبز وماء و بن علي لا".

استفزت انتفاضة الشعب بن علي ونزل من برجه العاجي وقدم خطابه الأول الذي ذكرنا ببيان 7 نوفمبر "المقيت".. ما أشبه شتاء ديسمبر 2010 بخريف نوفمبر 1987.. وما أشبه "مزيدا من الحريات" بـ"لا رئاسة مدى الحياة".

قال مسيلمة " الكرتوش ماعندوش مبرر" وفي الآن نفسه أكثر من شهيد في حي النور من ولاية القصرين .. مزيدا من الحريات وفي اليوم نفسه اعتقالات بالجملة في صفوف الطلبة والمثقفين.

كنا نعلم جميعا أن "الرئيس" يتقن فن المسرح وأن خطابه الأول والثاني وحتى العاشر لن يوقف عقارب الثورة ولن يطفئ لهيب الانتفاضة في أرواحنا العطشى. خرج العامل و الطالب والمحامي و القاضي والطبيب والمهندس والطفل والكهل.

فلسطين أم البدايات والنهايات أهدتنا النصر وأهديناها طيارا برتبة مخترع اسمه محمد الزواري في الذكرى السادسة للثورة

انتفض الشعب، استشهد الشباب اعتقل الطلبة.. أقفلت المعاهد و الكليات.. أعدت البرامج الإعلامية لإخماد صوت الشارع الثائر، استنفر الأمن والبوليس السياسي لإطفاء هشيم "الحرية و الكرامة" ..
خرجت مسيرات "أبناء الحزب الحاكم" للتصدي لمسيرات الأحرار..

وكلها عجزت أمام الإرادة الشعبية.. كلها باءت بالفشل أمام صوت سجين سياسي وسط المنتفضين .. أمام شعار شاب عاطل عن العمل.. أمام امرأة فقدت ابنها الذي التقمه حيتان البحر وهو فار من أرضه.. عجز بن علي وجنده عن إخماد "ثورة البرويطة" .رحل بن علي بقرار شعبي بات لا رجعة فيه ..

انتشر عبق الثورة من إفريقية (اسم تونس القديم) المجيدة لتصل إلى قاهرة المعز وليبيا المختار و يمن الحكمة وصولا إلى الشام الشريف مرورا بفلسطين أم البدايات والنهايات التي أهدتنا النصر وأهديناها طيارا برتبة مخترع اسمه محمد الزواري في الذكرى السادسة للثورة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.