شعار قسم مدونات

ما يطلبه المدردشون

blogs - social media
تعتبر الدردشة من أشكال التواصل الحواري الصغرى التي تجري في سياقات هادئة باعتبار أن المتواصلين أصدقاء أو يعرفون بعضهم بعضا أو على وشك التعارف. وغالبا ما يتحلل التحاور الدردشي من عبء رصانة اللغة والتكلف التعبيري والبروتوكول التخاطبي.

ولكن عندما تهيمن هذه الدردشة على العمليات التواصلية التي يقوم بها الفرد في حياته اليومية بسبب الرقمنة، يصبح لزاما عليها استيعاب الرسائل التواصلية متعددة المستويات لتشمل كافة الأنشطة سواء تعلق الأمر بالجانب المهني أو الحياة والعلاقات الاجتماعية (بدءا بتبادل التحايا بين أفراد الأسرة والأصدقاء ومناقشة الأمور مع الزملاء وصولا إلى تقديم الوثائق المطلوبة للجهات الحكومية المعنية).

عندما فكر مطورو البرمجيات في خلق فضاءات رقمية لممارسة الدردشة، لم يغب عن أذهانهم الحاجة النفسية للتواصل عبر الدردشة وسط المجتمعات الإنسانية إثباتا للوجود وتعبيرا عن المشاعر والعواطف والانفعالات والإحساس بالآخر والتضامن معه؛ فالإنسان – بطبعه – كائن متواصل.

المستخدم هو الوجه الآخر للمصمم وكلاهما يمتلك إبداعا قد تتاح له فرصة البروز أو يظل كامنا في انتظار المستكشف.

انطلاقا من أهمية الدردشة الرقمية التي يوفرها تطبيق الواتساب في حياة عدد لا يستهان به من المتواصلين، تبرز العديد من الحاجيات التي تتجاوز توفير الوسائط (نص – صورة – فيديو – صوت) إلى تحسين إدارة العمليات التواصلية حفظا للوقت وتجويدا للرسائل التواصلية وتحقيقا للشمولية. فما الذي قد يطلبه المدردش حتى يتواصل بكيفية فعالة ومثمرة؟

1. التدقيق اللغوي: تستمد الدردشة بعض جمالياتها عندما تقترب من إيقاع الدردشة اللفظية المباشرة (وجها لوجه أو عن بعد عبر الهاتف أو الأجهزة الرقمية الأخرى)، وعندما يسعى المدردش الرقمي إلى الاقتراب من هذا الإيقاع، تكثر أخطاؤه، لذا يحتاج إلى ذكاء اصطناعي يعينه بكيفية لا يتحول معها إلى مصدر إزعاج (كأن يقترح كلمات من القاموس بدلا من الاكتفاء بالإشارة إلى مكمن الخطأ). وخير سبيل لذلك هو توفير إمكانية تعديل الرسالة التواصلية بعد إرسالها (مثلما يحدث في المنتديات).

2. الرسائل الضالة: هناك العديد من الرسائل التي تضل طريقها إلى متلق أو مجموعة ليست معنية يعتبرها الواتساب زلة لسان ولا يملك نحوها إلا القول: "سبق السيف العزل"! فلا بأس من تمكين الملقي من حذف رسائله التي تضل طريقها، كأن توفر له إمكانية التراجع عن الإرسال أو تعمية الرسالة بعد أن يتم إرسالها فتصبح في عداد المختفية.

3. البحث عن المواد: لعل أكبر هاجس يؤرق المتواصلين المدردشين ويضيع وقتهم الثمين سدى، صعوبة البحث عن الرسائل التواصلية القديمة، خاصة في المجموعات النشطة التي تشهد عصفا متزامنا يجعل من يغيب لوقت وجيز غير ملم بما يجري، وإن حاول العودة إلى الخلف يضطر إلى استخدام الطريقة الخطية في البحث لأنه لا يجد أي سبيل لبحث متقدم يعينه على الوصول إلى المحتوى استنادا إلى كلمة مفتاحية محددة. وعلى الأقل يجب أن تتاح للمدردش إمكانية الوصول إلى المداخلات الموجهة إليه أو التعقيبات التي وردت على ما أدلى به.

4. التنبيه الذكي للمداخلات المتعلقة بالمدردش ضمن المجموعات: عندما يتعلق الأمر بالتواصل النشط داخل المجموعات، يحتاج المدردش إلى تنبيهات ذكية تخبره بالمداخلات المتعلقة به بعد مغادرته المجموعة. وهذا يساعد على مواصلة التحاور في القضايا الهامة، وتجنب تركها تتراكم وقد يُساء الفهم من لدن المتحاورين الآخرين عندما يعتقدون أن عدم التفاعل مع ما أوردوا ضربا من ضروب التهميش وعدم الاكتراث.

5. إمكانية الدردشة من كافة الأجهزة الرقمية: تزداد أهمية الدردشة عندما تتاح من كافة الأجهزة الرقمية التي قد تتوفر لدى المدردش، خاصة مع وجود المعينات اللغوية الدالة (الإيقونات) والردود القصيرة التي قد تناسب من يصعب عليه استخدام هاتفه الذكي.

6. إفصاح مقطع الفيديو أو التسجيل الصوتي عن بعض محتوياتها قبل فتحه: تضطر مقاطع الفيديو وتسجيلات الصوت المدرجة في المداخلات والتي يتم إرسالها أو تمريرها المدردش إلى تنزيلها وفتح قبل أن يتعرف على محتواها، وهذا قد يكون مكلفا من حيث الوقت ومن حيث استهلاك نطاق الشبكة المتاح للمدردش (خاصة إذا كان الحصول على الربط شبكي غير متاح مجانا وبسرعات بطيئة). حبذا لو يتوفر ملمح مرئي يقوم مقام عنوان النص يعين المدردش على اتخاذ قرار مسبق بتلقي الصوت أو الفيديو أو تجاهله أو حذفه.

خلاصة القول: مهما أبدع المصممون، فإن للمستخدم كلمته التي يجب أن تسمع، خاصة بعد أن ينغمس في استخدامه للمنتج وتتجلى له أوجه جديدة للاستخدام قد لا تكون قد أخذها المصمم في الحسبان، لأن المستخدم هو الوجه الآخر للمصمم وكلاهما ويمتلك إبداعا قد تتاح له فرصة البروز أو يظل كامنا في انتظار المستكشف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.