شعار قسم مدونات

وداعاً حَلب

Blogs - Buses Aleppo

وقفٙ على أنقاضها باكياً إياها، كما وٙقفٙ الشاعر قبلهُ على الأطلال، مودعاً محبوبته، أعطاها النظرة الأخيرة، أعطاها الرمقة الأخيرة، هي الآن ستبقى "محفورة في القلب رغم البعد"، تٙمْتٙمٙ بكلماتٍ أذابتْ قلبه ونفسه، ثُمٙ فرّٙ مسْرعاً قبلٙ أن يهطل عليه وابلٌ من رصاص أبناء الجلدة ورصاصٍ آخر دخيل.

 

وداعاً حلب، هو الفراق الغريب، هروبٌ من الموتِ لنحيا فنفارقُكِ وأنتِ الحياة!، أي معادلةٍ هذه التي تجعلنا نهرب من الموتِ لأجل الحياة وفي ذاتِ الوقتِ نفارق الحياة؟، ليست الحياةُ بذلك النفس والنبضِ المتواصل لأجل اللاشيء، بل هو موجة الأحاسيسِ ونبضُ القلب لنحيا مع من نحب، وأنتِ النبضُ وأنتِ التي نحب! أسنحيا الآن دونكِ يا حلب؟

 

أسألكِ أن تحفظي أنقاضٙ البنايات المدفونة بالرماد، تذكري أن يوماً بينهم كانت ليلى وسعاد وتينا وكان محمد وخالد وجورج، كانوا أطفالاً يرسمون كل يومٍ على أرضك لعبة الحجلةِ ويمرحون ويفرحون، تذكري ضحكاتهم وبسماتهم، وتذكري بكاء الصغيرة سلمى عندما سقطت على الأرضِ في أولى خطواتها، تذكريهم جميعاً كما سيذكرونكِ في المنفى والغُربة حياةً ما بعدها حياة.

 

كوني نقمةً وناراً ولظىً مُستعِر على أولئك الحاقدين الناقمين على الجمال، المُغٙيّٙبة ضمائرهم والمولودين من عقرِ اللاإنسان، أريهم أطيافٙ أهلكِ الممزوجةِ بالدموع، أسمعيهم أوتارٙ البكاء.

تذكري ذاكٙ العجوز الذي راح في ليلتهِ الأخيرة في أحضانكِ يبكي لأنه سينامُ الليلة التاليةٙ تحتٙ سماءٍ ونجومٍ أقلّٙ لمعاناً وحياةً من نجومِكِ، فقال يا ليتٙ حلب في كل مكان، ثُمٙ وافتهُ المنيةُ على مشارفكِ وهو يقول يا ليتٙ حلب في السماء. تذكري الرجالٙ الذين نقشوا بأصابعهم كلّٙ حجرٍ فيكِ حتى أصبحت حلبُ جنةً من جنان الأرضِ ومقصد العشق والهيام.

 

تذكري نساءك منجبات الأبطالِ وأخواتُ الرجالِ، اللواتي عِشْنّٙ كالحمامةِ البيضاءِ يٙبْحٙثْنّٙ عن السلام، اذكريهنّٙ عندما تطأ أقدامُ كارهاتِ الحياةِ أرضكِ وقولي سلاماً لنساءِ حلب في كل مكان، فمثلهُنّٙ لا بٙكٙتِ الجُدرانُ ولا الحارات.

 

كوني نقمةً وناراً ولظىً مُستعِر على أولئك الحاقدين الناقمين على الجمال، المُغٙيّٙبة ضمائرهم والمولودين من عقرِ اللاإنسان، أريهم أطيافٙ أهلكِ الممزوجةِ بالدموع، أسمعيهم أوتارٙ البكاء، كوني دائماً في وجههم رماديةٙ الٙقسمات، سيأتونكِ بأقنعةِ الورود، أفهميهم أنّ من الطبيعةِ تولدُ النيران، احرقي ورودهم ودعيهم يشتهون النومٙ، لكنٙ غضبٙ المدينة حٙلّٙ عليهم فما من نومٍ ولا سلام.

 

أُوٙدِّعكِ حلب بصوتِ بانا، بصوتِ عمرو الحلبي المملوء بالآهات، بصوتِ الزوجين الحبيبين، بصوتِ الطفلِ والرجلِ والمرأةِ والشيخِ الجليل، أُوٙدّٙعُكِ حلب وحتى نصر الله.. إليكِ السلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.