شعار قسم مدونات

أول "تيكي تاكا" في الألفية

epaselect epa05633207 Argentina's Lionel Messi (C) controls the ball while in action against Colombian players during their FIFA World Cup 2018 qualifying soccer match at San Juan Del Bicentenario Stadium, in San Juan, Argentina, 15 November 2016.

هو شخص لا يفهم شيئا في كرة القدم، أمثاله لهم أثر سلبي على اللعبة الشعبية الأولى، إنه يشتري نجوم بالجملة ويقوم بتغيير المدربين، ورغم أن الفريق يفوز مؤخرا بالبطولات إلا أنه يفتقد إلى أسلوب لعب مميز وهوية ثابتة، لأن كل مدرب يأتي له فكر مختلف عن ما قبله وما بعده.

 

بهذه الكلمات القاسية وجه أنخيل كابا انتقادات قوية لرئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز، عبر صفحات كتابه الجديد "يسرقون منا الكرة"، وتسببت تصريحات المساعد السابق لفالدانو في ردود فعل واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في عالمنا العربي وبالطبع خلال البرامج الإسبانية. ومع الاتفاق أو الاختلاف على كلامه، كانت المقولة الأكثر انتشارا واستفزازا في نفس الوقت، من هذا الرجل المغمور الذي يتحدث عن واحد من أشهر مدراء اللعبة في العالم!؟

 

أدخل كابا مع هوراكان مراكز حديثة في خارطة الكرة الأرجنتينية، فالارتكاز بوتالي هو اللاعب في المركز 5 بالملعب، نصف لاعب وسط ونصف مدافع ثالث

ربما كابا فعلا رجل غير مشهور، لا يعرفه الكثيرون ولا تهتم به إمبراطورية "السوشيال ميديا"، لكنه أحد القلائل الذين يفهمون الكرة بشكل مغاير، وله باع طويل في عالم التدريب بالأرجنتين وأوروبا وأفريقيا، كذلك عمل من قبل كمساعد رفقة أعظم مدرب أرجنتيني على مر العصور، سيزار لويس مينوتي، وبعيدا عن سيرته الذاتية المشرفة، يكفي هذا المجدف تجربته الرائدة مع فريق هوراكان في 2009، المهمة التي عرفت تكتيكيا بأنها أول "تيكي تاكا" في التاريخ الحديث!

 

ينفعل غوارديولا بشدة عند تسمية طريقة لعبه بالتيكي تاكا، يفضل الفيلسوف تعريف هذا الأسلوب باللعب الموضعي، ويؤكد المتابعون أن برشلونة 2008-2012 هو الفريق الأول الذي طبق هذا الفكر، خصوصا أن تجربة إسبانيا 2008 تختلف بعض الشيء بقيادة الجد أراغونيس، صحيح أن الماتدور احتل أوروبا بالتمريرات القصيرة واللعب الهجومي، لكن الخطة قامت على الحركة وتبادل المراكز عوضا عن التركيز على التمركز الراديكالي.

 

ومع كامل الاحترام للآراء التي تُنسب هذه الصيحة إلى الكتلان أو الإسبان، فإن فريق هوراكان الأرجنتيني هو صاحب الأسبقية في هذا الجانب خلال موسم 2008-2009 تحت قيادة المدرب أنخيل كابا، وقتها حصل الفريق على المركز الثاني في بطولة الدوري بفارق نقطتين عن البطل، لكه حاز على إعجاب الجميع بدون استثناء، بسبب تقديمه الكرة الأجمل على الإطلاق في تلك الحقبة.

 

وضع كابا خلاصة خبراته التدريبية في هذه التجربة، وترجم كل ما تعلمه من مينوتي داخل أرضية الملعب، ليمزجه مع أفكاره الخاصة وفلسفته القائمة على الهجوم المتواصل الذي يعتمد على وضع اللاعبين في المكان الصحيح، من أجل سحب الخصم بعيدا عن مناطقه، والحصول على الزيادة العددية في ركن ما بالمستطيل الأخضر، ما عرف فيما بعد باللعب الموضعي أو  juego de Posición.

 

"رمى أنخيل كابا حجرا في المياه الراكدة، صحيح أن هوراكان لم يفز في النهاية، لكنه سيظل في الذاكرة أكثر من البطل وقتها سارسفيلد".

 

شهدت الكرة في الأرجنتين خلال بدايات الألفية تفوق واضح لبوكا جونيورز، بطولات بالجملة محليا وقاريا مع سيطرة شبه مطلقة بعد فترة تألق ريفر بليت أيام الثمانينات وبداية التسعينات، لكن الشيء اللافت للنظر أن طريقة لعب بوكا وصفت بالسلبية والمملة، يفوز الفريق بالمباريات والبطولات لكن دون أداء يُذكر، لدرجة تشبيه البعض لهم بالشركة التجارية التي تهمها فقط الأرباح ولا شيء آخر، لذلك ما فعله أنخيل كابا في 2008 لهو أمر في غاية الجرأة والاختلاف.

 

تمريرات قصيرة، لعب سريع، هجوم منظم، تمركز مؤثر، مع نوعية لاعبين تتمتع بالمهارة والأناقة في الأداء، بقيادة باستوري، دي فيدريكو، نييتو، غونزاليس، تورانزو، وبولاتي، مع خطة لعب تبدأ بـ 4-3-3 وتتحول إلى 3-4-3 هجوميا، مع ملأ الفراغات في وبين الخطوط عن طريق الرهان على شكل قريب من 2-3-2-2-1.

 

الغريب حقا في هذا الفريق هو شكله الجماعي، فكل هذه الأسماء تمتاز بالمهارة القوية مع الأداء الفردي المستفز، لكن مع قدوم أنخيل كابا، صنع المدرب نظام تكتيكي محكم استفاد كثيرا من الفنيات ووضعها لصالح المجموعة في النهاية. تنظيم شكل الأداء ليس كالسجن، بل هو امتداد للموهبة الفردية كي تفيد الفريق الجماعي ككل، لذلك استفاد باستوري كثيرا من طريقة لعب أنخيل، ولم يشعر بالضيق أبدا نتيجة تعاظم قيمة التمركز، بالعكس وجد لنفسه حيز أفضل لإظهار قدراته.

 

النهايات السعيدة في القصص والروايات، والدليل ما حدث في المباراة الختامية للدوري الأرجنتيني وقتها. ذهب فريق كابا متصدرا برصيد 38 نقطة إلى ملعب سارسفيلد 37، وقدم حكم المباراة غابريل برازيناس أسوأ نموذج ممكن لقاضي الملاعب، بعد عدم احتسابه هدف لهواركان، وقبل نهاية المباراة بسبع دقائق، دخل مهاجم الخصم في قدم حارس هوراكان ليعتقد كل من في الملعب أنها مخالفة، لكن كان لغابرييل رأي آخر حينما واصل اللعب، ليسجل موراليس هدف قاتل حرم كابا من بطولة مستحقة.

 

"ستظل بطولة 2009 بمثابة النقطة السوداء في تاريخ الكرة المحلية الأرجنتينية، الأداء العظيم لا يضمن بمفرده بطولة، والنتيجة النهاية فقط من سجلها التاريخ، ويبقى السؤال الأهم بلا إجابة، أن تلعب جيدا أم تفوز بمساعدة الحظ أو التحكيم!؟" كلمات قالها الصحافي الأرجنتيني إغناسيو ميرالو تعليقا على تلك المباراة غريبة الأطوار.

 

وأدخل كابا مع هوراكان مراكز حديثة في خارطة الكرة الأرجنتينية، فالارتكاز بوتالي هو اللاعب في المركز 5 بالملعب، نصف لاعب وسط ونصف مدافع ثالث من أجل صعود الأظهرة إلى الأمام، بينما يحصل زميله تورنازو على المركز 6 كلاعب دائرة بين الدفاع والهجوم، رفقة غونزاليس الوسط الثالث في المركز 8.

 

ولعب هذا الفريق بثنائي من صناع اللعب، فيدريكو وباستوري خلف المهاجم الصريح، خافيير لاعب ساحر يعرف كيف يتألق في أضيق فراغ ممكن، ويمارس الكرة بعقله قبل قدمه، لذلك خطف هوراكان قلوب الأعداء قبل الأحبة، بسبب تفوقه في الرهان على أكثر من 3-4 صناع لعب عند الحاجة، مع حركة نييتو المستمرة بعيدا عن منطقة الجزاء وكأنه لاعب وسط إضافي وليس مهاجم صريح، كلها أمور جعلت هذا الجيل يستحق أن يقص شريط الافتتاح للنقلة الكروية التي صنعها فيما بعد بيب رفقة البارسا في أوروبا والعالم.

 

تنظيم شكل الأداء ليس كالسجن، بل هو امتداد للموهبة الفردية كي تفيد الفريق الجماعي ككل، لذلك استفاد باستوري كثيرا من طريقة لعب أنخيل

وبالعودة إلى ما قاله كابا عن بيريز، يقول الأرجنتيني عن نفسه بأنه مشجع لريال مدريد، وعمل من قبل في النادي رفقة الفيلسوف فالدانو، لكنه يعترف بصراحة أنه شجع بارسا بيب أمام ريال مورينيو، لأنه يرى الكرة من منظور مغاير، ووصف مورينيو وقتها بأنه مدرب لا يخشى خسارة ناديه بقدر ما يخاف من الهزيمة بالأربعة والخمسة ليظل مطاردا بها طوال مشواره.

 

خاتمة:

"هناك عديد المدربين الذين يلعبون بتحفظ هذه الأيام، أحترمهم بشدة وأقدر ما يقومون به، لكننا مختلفون لأننا اخترنا الطريق الأصعب، وقررنا وضع السؤال بدلا من الإجابة عليه. نحن نحمل أفكار كرويف، ليَو، بيدرنيرا، برازيل 70، مينوتي، أنخيل كابا، أياكس، وعظماء المجر، إننا ورثتهم. بكل تأكيد سنخسر في أوقات، لكن الشمس ستشرق من جديد، وسنحلم ونعيد الحلم مرارا وتكرارا.

 

في كرة القدم، لا أحد يفوز دائما يا صديقي، مارادونا نفسه لم يفز في كل مباراة، ولا حتى بيليه".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.