شعار قسم مدونات

فتيات الأزهر

blogs - المعتقلات

"قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"

الحكم لهن بالبراءة ليس تفضل من القاضي ولا الدولة الأم إنما طريق النصر الطويل لا بد أن ترسم نهايته بهذه الطريقة والأولى مقاضاة الطاغية بدلًا منهن.

 

هناك علاقة وثيقة بين التاريخ و"العظماء" والذي يثير أسئلة عدة لا حصر لها، هل التاريخ هو من يصنع العظماء؟ أم العظماء هم من يصنعون التاريخ؟ لا إشكالية في دور الفرد وما يقوم به من مقاومة الظلم ودحر الظالمين إلى نهاية حكمهم الجائر.  إذًا من هو ذاك الفرد الذي كتب له أن يرفع راية النصر ويعلّي الهمم الساقطة ويقض مضاجع الفجرة وهم في ثُباتٍ من نومهم؟ وربما يجعلهم شرارة لتدور بهم رحى الحرب؟ إنهن نسوة في السجل المدني "أنثى" وليس ذكر!  أن تذكر فتيات الأزهر "عفاف، آلاء، أسماء، رفيدة، هنادي" يعني أن تجد نكهة خاصة وأهمية ارتباطهم بتاريخنا الحالي، أشخاص ليسوا عاديين ولكنهم "عظماء".

 

"فتيات الأزهر" تميزن بعدم الخنوع للأحداث وتمردن على أن لا تعيشهم الأحداث بل هن من يعشن الأحداث كاملة فكانت المكافأة لهن بقطف 3 سنوات عجاف من أعمارهن ومن ثم تأتي البراءة!

كان من الممكن أن يحدث لأي فتاة منا مثل ما حدث لهن في أي زمان ومكان، لكن ما يجعل الأمر "تاريخيًا" بالمعنى الحرفي هو ارتباط الأمر بأشخاص لولاهم لما دخل الحدث التاريخ.  جامعة الأزهر لها باع كبير منذ بداية اندلاع الثورات في مصر وهذا ما يحفظه التاريخ، فالغالبية العظمى يعيشون هذا التاريخ وما يقابله مناقض تمامًا لأشخاص صنعوا تاريخ الجامعة ليعيشوه هم ونحن نعيشه الآن.

 

دور فيدل كاسترو في الثورة الكوبية وانتصار الديكتاتور فرانكو على الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية ودور جمال عبد الناصر في ثورة يوليو كان طبيعيا أن تقع كل تلك الأحداث بل وأن تقع في هذه الدول تحديدًا وفي الوقت ذاته. أصبحت تلك الأحداث تاريخية عندما اقترنت بأسماء هؤلاء حتى لو كانوا ممن يذكرهم التاريخ باللعن لكنهم بقراراتهم وتصرفاتهم المرتبطة مع الموقف صبغوها بهذه الصبغة.

 

"فتيات الأزهر" من بين مئات الآلاف من البشر الذين يعيشون في هذا الوطن حاليًا والتوقيت ذاته ونفس الظروف التي يعيشها الجميع إلا أنهن تميزن بعدم الخنوع للأحداث وتمردن على أن لا تعيشهم الأحداث بل هن من يعشن الأحداث كاملة فكانت المكافأة لهن بقطف 3 سنوات عجاف من أعمارهن ومن ثم تأتي البراءة!

 

من يستخدم تدليس الشيوخ أو حتى تدليس الإسناد في ربط دور "فتيات الأزهر" بوقائع خيالية وجرائم مختلفة لا تمت لهن بصلة ليظهرهن للعالم الخارجي أنهن مجرمات معتديات على "الحرية المزيفة" هم فقط المشكوك في عدالة ضبطهم إن لم يكن هناك علة تقدح في ذمتهم من الأساس.

 

براءة الفتيات لا تحتاج لشهادة شهود أو أدلة صريحة بنص القانون، لكن ما العقوبة المغلظة هذه التي تقع على طالبة جامعية قبض عليها من حرم الجامعة! ولمَ يقبض عليها أصلًا؟ في أي دستور عربي أو دولي تقول نصوصه أن تسجن وتحرم من ممارسة حياتها العملية بهذا الشكل؟

 

إنه في مصر فقط تلك الدولة التي حلت عليها لعنة الدماء ويبدو أنها ستبقى لأمد لا يعلم قدره إلا الله.  حفاة على الجمر ساروا وعلى الجمر تحترق أمنياتهن، سنين الشوك غرسوها في صدورهن فأنبتت جروحًا رووها بصبرهن فلا بد للصمت حتى يسمعهن الآخرين.  ما نسينا يوما ولم ننسَ لدقيقة واحدة أن دوركن لم يكن عبثيًا يركض وراء وهم أو معركة فاشلة، بل كان صانعًا لمشروع ثورة تبدأ من مصر وتمتد لتطال الإنسانية بأسرها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.