شعار قسم مدونات

هل للأدب دور فعال في حياتنا؟

blogs - novel
أحيانا لا نصدق ولا تخطر على بالنا أمور كثيرة إلا عندما نمر بها شخصيا، مهما قيل لنا عن مواقف إنسانية حياتية فيها تأثير على حياة الناس، فإنها تظل خبرا، لا ترتفع ولا تكون محل إقتناع منا إلا عندما نخبرها بشكل مباشر وملموس، ولكن هل فعلا للأدب دور في هذا الموضوع؟ هذا ما يحاول هذا المقال تسليط الضوء عليه.

الأعمال الأدبية تجسد المواقف واللحظات الحياتية المؤثرة حتى نستطيع أن نتخيلها أو نعيشها واقعا أمامنا، إلا أن هذا الدور قد يكون إيجابيا أو سلبيا بحسب توجهات الأديب والناقد وقناعاتهم الفكرية.
وهنا فعلا يكمن دور الأدب وخطره في آن، في الأعمال الأدبية تتاح للمشاهد أو القارئ التفكير في أو عيش اللحظة كما لو أنها تحدث له.

إنها تعطي أو توفر الفرصة لمعايشة اللحظة التي قد لا تتوفر للشخص في الواقع العملي. وطبعا، لا يجب وليس هناك ضرورة أصلا للمرور بمحنة حتى نعرف أو نفهم أو نتيقن من تلك المواقف واللحظات، ومن الدروس التي يمكن تعلمها منها.
يكفي قراءتها أو مشاهدتها لكي نعي أثرها سواء كان إيجابيا أو سلبيا، وهنا يكمن تأثير الأعمال الأدبية.

عالميا، تم الانتباه لدور الأدب وتأثيره على تشكيل رؤى وقناعات الناس

في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، تم أخذ الأعمال الأدبية مأخذا جادا من قبل فلسفة "ما بعد البنيوية Post-structuralism" ونظرية "ما بعد الكولونيالية Post-colonialism" "أو نظرية ما بعد الاستعمار".
تم تحليل الأعمال الأدبية من ناحية النظرة العميقة لكتَّابها وما يتبعون من أفكار هم أيضا قد لا يكونوا يدركون وجودها.

تم التدليل من الأعمال الأدبية نفسها على أن الأعمال الأدبية ليست فقط للتسلية، بل أيضا لتعزيز القناعات وخاصة قناعات الهيمنة الإستعبادية أو ما يطلق عليها "بالإستعمارية". يكفي الإطلاع على كتابات منظري نظرية "مابعد الكولونيالية" وأولهم كتاب "الإستشراق Orientalism" لإدوارد سعيد لإدراك عمق أثر الأدب في حياة الناس وتشكيل قناعاتهم.

الأدب: بكل أشكاله (قصة وشعر ورواية وغير ذلك)، له تأثير خفي على مشاعر الإنسان، في المجال الديني مثلا، إذا تم استغلال الأدب للتنفير من الدين الإسلامي ومن معتنقيه، فإنه يؤدي دوره على أكمل وجه، ومثله تماما إذا تم استخدامه لبيان سماحة الدين وعواقب عدم تطبيق شرع الله على الإنسان والمجتمع، بشكل فني وليس وعظي بحت.

كثر التنفير من الدين الإسلامي وأهله وذلك بإلصاق التهم عليه وعليهم جزافا عندما يخطئ إنسان ما أو حتى مجموعة من المسلمين وكأن المسلمين ملائكة، كثر هذا التنفير في الأعمال الأدبية والنقدية ولم يتفطن لهذا كثير من الناس.
إلا أنه للإنصاف أقول أن هناك محاولات أكاديمية نقدية جادة ومحاولات إعلامية لتوضيح هذا الأمر، إلا أنها لم تصل إلى الكم الكافي برأيي لقلة المشتغلين عليها؛ برغم عيشنا نحن المسلمين تحت سيل جارف من النعت بالإرهاب العالمي منذ عقود.

مفهوم الأدب توسع ليكون أداة وسلاح في يد من يملكه ليقوم بفعل ما يريد في المجتمعات

يمكن هنا الاطلاع على الكتابات الأدبية والنقدية الجادة والمحترمة للمشتغلين بالأدب الإسلامي في رابطة الأدب الإسلامي العالمية من أمثال كتابات عماد الدين خليل ووليد قصاب وغيرهم. هذه الأعمال الأدبية والنقدية ينبغي أن تعزز وتنتشر حتى يتكون لدينا ولدى شباب أمتنا حس أدبي ونقدي إسلامي له دوره المؤثر والفعَّال في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

عالميا، لقد تم الانتباه لدور الأدب وتأثيره على تشكيل رؤى وقناعات الناس قبل عدة عقود من الزمن، لذلك تجد إمكانات ضخمة توفر للأدباء والنقاد لتخدم توجهات الممولين والمنتجين.

ولكننا في وطننا العربي لم نعي دوره وأثره على وعي الأمة إلا بشكل محدود، لذلك ما يزال دوره الهدام في وطننا العربي يعمل فينا من خلال الأعمال الأدبية التي تهدم قيمنا وتكرس التبعية فينا وفي شبابنا.

إن النظرة لمفهوم الأدب، مثله مثل غيره من المفاهيم، قد توسع ليكون أداة وسلاح في يد من يملكه ليعمل به ما يريد في المجتمعات. لذلك، ينبغي أن يتم استيعاب دور الأدب وأهميته لنجني منه الثمرة التي نريد ونتجنب تأثيره الهدام على أمتنا ومجتمعاتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.