شعار قسم مدونات

شرقيات (2) أخي ايفرين

blog - adawi

في أواخر عهد سلاجقة الروم، وتحديدا في الفترة التي عاش فيها جلال الدين الرومي، ظهر رجل اسمه نصر الدين محمود الخويي، نسبة إلى مدينة خوي الواقعة اليوم في شمال إيران وهي أرض أذرية يسكنها الأذر الأتراك.

وإذا كان قبره اليوم ضيق في مدينة كرشهر التركية، فإن حكايته واسعة سعة حياته الممتدة في الجماعة التي أسسها وعرفت باسمه بعد ذلك.

 

اسمه بالتركية Ahi Evren  و "آهي" مشتقة من الكلمة العربية "أخي" التي تعني الأخوة، أما أوران أو ايفرين فمعناه "الكون"، إذ كانت جماعته في جوهرها تقوم على الأخوة، والرعاية.

 

كان الوضع في الأناضول مضطربا، فالسلاجقة في مرحلة ضعف، تتآكل أراضيهم تحت سلطان المغول، الذين يُعِينون الصليبيين ليعبروا الأناضول إلى بيت المقدس في حملة صليبية كبيرة.

 

في هذه الفترة، وصل نصر الدين إلى قيصري، كان خزافا بارعا فاجتمع حوله الحرفيين من أبناء حرفته، ثم تكونت من أبناء الحرفة جماعة عرفت باسمه، نصر الدين محمود، أساسها حرفي، وجوهرها ثم امتد عملها إلى خدمة طلاب العلم، فتؤوي من لا دار له، وتنفق على المحتاجين منهم، ولأن الزمن زمن احتلال، ولأن الحرفي لا يمكن أن ينفصل عن محيطه فقد كان للجماعة دور في مناهضة الاحتلال المغولي، فكان من أعمالهم قتل الشرطة المتعاونة مع المغول، بل وقتل المغول أنفسهم.

 

يقول بعض المؤرخين، إن جلال الدين الرومي عارض نشاطهم ضد المغول، ولأجل ذلك اتهم نصر الدين محمود بقتل شمس تبريز، فصودرت أملاكه وأملاك نفر من جماعته، وفر إلى "كرشهر" حيث استقبله الأمير علاء الدين. وهناك دوّن نصر الدين محمود رسائل تربوية، بناء على طلب الأمير.

 

مؤخرا يفترض المؤرخ التركي ميكائيل بايرام أن هذه الرسائل هي التي وصلتنا باسم نوادر جحا! وفق قول بايرام يكون جحا الذي نعرفه، واسمه نصر الدين هوجة، إنما هو انعكاس تربوي لرسائل كتبها آهي افرين "نصر الدين محمود".

 

أراد لها أن تكون ساخرة لتتجاوز حدود المنع السياسي الذي يقوم به المغول، والسلطة الدينية المتمثلة في المولوية، فأي شيء يمنع نكتة ساخرة من النفاذ إلى قلوب الناس وعقولهم!.

 

امتدت جماعة "الأخوة" "الآهليك" في عموم الأناضول وترسخت أكثر مع اهتمام الدولة العثمانية بها

هذه الرواية على أي حال لا تعدو افتراضا لمؤرخ واحد تفرد بها، دلل عليها بأدلة عديدة منها تشابه اسم زوجة آهي ايفرين "نصر الدين محمود" ، واسم زوجة جحا "نصر الدين هوجا"، وأدلة أخرى ليس مكانها هنا، إلا أن لكلا الرجلين مقام مستقل في مدينة مختلفة، فجحا توفي في المدينة البيضاء "آق شهر قرب قونية، وله ضريح هناك تحاك حوله الحكايات، فمن مر بقبره ولم يضحك ضربت عليه الكآبة والحزن، أما نصر الدين محمود صاحبنا في هذا المقال فقبره في كرشهير وهي مدينة في وسط الأناضول.

 

توفي آهي افرين عام ١٢٦١م  أما جماعته فبقيت لتصبح أحد الركائز الحرفية في العهد العثماني، وتمتد بعد وفاته سبعة قرون.

 

تقوم الجماعة على أسس أهمها الترغيب في الكسب، فـ "الكاسب حبيب الله" وهي العبارة التي تزين جامع السلطان أحمد، وغالب محلات الحرف في أسواق اسطنبول، كما تعلي قيمة الحرفية، وتضع لها نظاما صارما، فلا يترقى الصانع في المراتب حتى يجاز عمله من رموز صنعته، أما الأمانة فهي أصل من أصول الانضمام للجماعة.

 

ورغم أني لا أحب قراءة تاريخ الشرق بمفردات العصر الحديث، إلا أننا يمكن أن نقارب بعض نشاط هذه الجماعة بالنقابات المهنية، مع التأكيد على عدم دقة القياس.

 

امتدت جماعة "الأخوة" "الآهليك" في عموم الأناضول وترسخت أكثر مع اهتمام الدولة العثمانية بها، واعتمادها أساسا للصناعة والتجارة، وتوزعت غرفها التي عرفت "بغرف الأحبة" في المدن والقرى، وكما كان دورها خدميا على عهد مؤسسها الأول امتد هذا الدور معها في الملمات التي كانت تلم بالأناضول.

 

هذا، ويبدو أن المكتبة العربية شحيحة في مصادرها عن الجماعة التي تشغل من مساحة تاريخ الشرق المسلم سبعة قرون، والتي اشتبكت في فترة تأسيسها مع أحداث هامة في فترات التاريخ كما أسلفنا من قبل، رغم اهتمام المؤسسات الثقافية التركية بتأريخ كل ما يتعلق بالجماعة، وتخصيصها أسبوعا سنويا للاحتفال بها وبدورها في حفظ الموروث الثقافي التركي خلال قرون مضت. ولعلنا نأنس بترجمات ومقالات أكثر تفصيلا من أهل الاطلاع والاختصاص.
 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.