شعار قسم مدونات

جيلنا جدير بالكلمة.. لذلك أدون

blog كتابة

قبل ما يقارب الثماني سنوات تقريباً، أقف أمام مدرس للغة العربية، كهل ستيني، يسحرني اتقاد عيناه، وطريقة حديثه وثقافته العالية، ورأيه فيما يحصل في البلاد العربية عموماً وفي سوريا خصوصاً، يسرد خبراته لمجموعة من طلاب الثانوي في إحدى مدارس مدينة نائية تقع في شرق سوريا.
 

حديث المدرس الأشيب المهندم، ذو الابتسامة العذبة، والنظرة الصافية، كان ينصب على تشاؤم وتفاؤل في آن واحد، ولكنه -ولا أبالغ- قد صعقني عندما قال: جيلنا انتهى.. إننا نعول عليكم.

كان حديث الرجل يتسم بجدية وصدق، إذ كان يقول كلماته بإحساس عال وتأثر واضح، أكاد أجزم منذ عدة سنوات وكلما تذكرت هذا المعلم، أن ما قاله كان تنبئؤا لرجل حاذق بثورات الربيع العربي.
 

أرى معظم أصدقائي الذين لا تتجاوز أعمار معظمهم الثلاثين سنة، وآخرون بأوائل العشرين، يصعدون في طريق الكتابة الصعب سواء أكانت صحفية أم أدبية وهم على تجربتهم اليانعة

عندما خرج من الصف قلت له في الممر المؤدي إلى غرفة المعلمين بنوع من الصبيانية التي أندم عليها الآن أخلص الندم، أستاذ هل تعني ما تقول فعلاً، هل هؤلاء المراهقون الذين كنت تتحدث إليهم قبل قليل سوف يحملون كل هذه الأعباء التي تحدثت عنها؟!

دائماً كان يناقشني ونتحدث كأصدقاء، ولكنه اكتفى بابتسامة وتركني وسار في طريقه، ربما أدرك أنني ما زلت صغيراً على أن أفهم كيف تتغير الأحوال والنفوس.
 

 لم أكن بنظره قادراً على وعي ما يمكن أن يحمله الزمان من مفاجآت، فالصبيان الذين تحدثتُ عنهم بنوع من الاستخفاف، دفعوا لاحقاً أثمانا باهظة لعملهم في الشأن العام، والذي ما توقعت حينها أنهم سوف يعيروه اهتماماً في يوم من الأيام.

اليوم وأنا أكتب في مدونات الجزيرة وأرى معظم أصدقائي الذين لا تتجاوز أعمار معظمهم الثلاثين سنة، وآخرون بأوائل العشرين، يصعدون في طريق الكتابة الصعب سواء أكانت كتابة صحفية أم أدبية، وهم على تجربتهم اليانعة إلا أنهم يثبتون جدارة لا بأس بها.
 

ملتزمون بهموم وآلام مجتمعاتهم وربيعها الذي مازالوا مؤمنين به، أمور ما كنت يوماً ولسذاجتي طبعاً أتصور أنهم سوف يتحمسون لأجلها كما هم الآن. إنني اليوم جداً فخور بانتمائي لهذا الجيل ولهذه الطليعة التي أعول عليها، كما عول عليها معلمي ذات يوم.

قد يسأل أحدكم ما علاقة هذا بالتدوين؟ وهو محق بتساؤله، وأنا بدوري أجيب باسمي وباسم جيل جديد ممن تغويهم الكتابة بسحرها الذي لم ينفذ رغم الصورة الفوتوغرافية والفيديو والسينما والتلفزيون والراديو، ما زال للكلمة حضور ومازال له جنود وعشاق، ومازال يشكل سلاحاً للكثيرين.

أقول باسم هؤلاء جميعاً إن التدوين هو فسحة هؤلاء الكتاب الشباب في وقت مازالت تسيطر فيه بنى قديمة وأساليب تحتاج لتجديد في الميادين المتاحة للكتابة كعمل.
 

 التدوين مازال لنا كشباب يرمز للتجديد وروح الابتكار، هنا نجد مساحات رحبة لا تتوفر في أماكن أخرى لنكتب ولنقول ما نريد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.