شعار قسم مدونات

أمي المطلقة

blogs - mom

في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد، وتكون فيه المرأة المطلقة ذلك الكائن النكرة الذي يجلب العار لأهله فتكون هي العورة ووصمة العار.

خطيئتها الكبرى أنها طلقت. نعم، هذا حال مجتمعي وكانت أمي التي طلقت قبل 17 سنة من اليوم من قيل فيها هذا الكلام.

بمجرد طلاقها ورجوعها لبيت أبيها حيث كان عمري عامين. لم يتقبلوا هذه الصدمة المفجعة. ليس خوفا على ابنتهم بل على اسم عائلتهم النبيلة، وما سيقوله المجتمع عنهم.

أمي.. أبت أن تلثم روحها في عباءة الموت، لا بل قررت أن تخوض معركة مع مخاوفها

أما أنا فلم يكن مرحبا بي، لأني أحمل دم ذلك الرجل الذي طلق أمي. ولتستر عارها بالنسبة لهم كان عليها أن ترميني لطليقها، وتتزوج أول رجل يعرض عليها الزواج مهما كان حاله أو مستواه حتى إن كان شيخا مسن.

بين كل هذا الاضطهاد وضيق الحال، في رأيكم امرأة في العشرين من عمرها ما عساها تفعل. هل ترمي ابنها الصغير وتقبل عرض أبيها؟ ماذا عساها تفعل؟.

أمي هي تلك المرأة التي تحمل هذه الكلمة بكل ما لها من معاني.لم تقبل هذا الجبروت، وأن يملي عليها العرف وحجج العادات والتقاليد، أن تكون عالة على أسرتها ومجتمعها. وأبت أن تلثم روحها في عباءة الموت.لا، بل قررت أن تخوض معركة مع مخاوفها، وهذا المجتمع المدعي للكمال والصفاء.

حملتني وخرجت من بيت أبيها بعد كل القهر والإهانة التي تجرعتها ليل نهار. وتبدأ حياة جديدة مع رضيعها.

قامت بشراء منزل بسيط لنا نحن الاثنين.وكانت أناملها الأنثوية تحمل سحرا تجعل من الأقمشة البسيطة أثوابا راقية. كانت تبيعها لتكسب قوتها وتوفر لنا المأكل والمشرب. وشيئا فشيئا تيسر حالنا وتمكنت أمي من شراء منزل لنا نحن الاثنين.

بشغفها حافظت على شرفها، وأثبتت أنها ليست ذلك الكائن الضعيف الذي ينتظر رحمة المجتمع عليها

ومع مرور السنين تَمكَنتْ من فتح محل للخياطة وهي مالكته. وجعلت مني أنا،من قطعة لحم، هذا الشاب، هذا الطالب المتفوق. استطاعت أن تثبت لهم أنها أكبر بكثير مما يعتقده هذا المجتمع، وجعلت أهلها فخورين بابنتهم.

بشغفها حافظت على شرفها، وأثبتت أنها ليست ذلك الكائن الضعيف الذي ينتظر رحمة المجتمع عليها. أما أنا فأسميها، المكافحة، لأنها ضحت بعمرها وشبابها من أجل رسالة واحدة، أن تجعل مني هذشبا الانسان الموجود اليوم.

وما هذه الكلمات سوى همسات متواضعة أمام بطولاتك، يا أمي المكافحة. اخترت أن تكون هذه أول مدوناتي لأنها هي بداية حكايتي، ومصدر إلهامي. كل منا له بطل معجب به، وقدوة في حياته. أما أنا فأمي المطلقة، هي كل حياتي.نعم، أمي المطلقة، فهذه الكلمة استطاعت أمي أن تكسر بها كل القيود، وتجعلها كلمة تقويها لا تحط من شأنها. فمهما كان ضعفكِ أيتها المرأة العربية، فاجعلي قوتك من ذاتك لا أن يهبها إليك أي مخلوق كان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.