شعار قسم مدونات

الأخ الرئيس

blogs - presedint
الأخ الرئيس
قَسَم: أقسم بالله العظيم، أن أحترم الدستور والقانون. خُطبة: سأحافظ على ثوابت أمتنا.

اليوم الأول
يدخل شيخ مُسنّ، بعمامة أنيقة نظيفة، ولحية قصيرة مشذبة. يصافحه الأخ الرئيس بحفاوة وتبجيل.
= فضيلة الإمام! مؤسستكم عنوان بلدنا، فلا تُذكَر مؤسستكم إلا وذُكِرت بلدنا. فضيلة الإمام! مؤسستكم هي المعبرة عن الدين الوسطي، في العالم أسره، منذ آلاف السنين، أؤكد: منذ فجر التاريخ! الفتوى والرأي الديني حصرٌ على مؤسستكم. وهذه الوضعية تستلزم المزيد من الأعباء.

= ديننا الحنيف تعرض للاختطاف، للتشويه! نريد منكم تجديد الخطاب الديني، المناهج، تنقية التراث، مراقبة الدعاة العشوائيين الذين لم ينهلوا من العلم الوسطي في مؤسستكم، استوردوا ترهاتهم من بلاد مجاورة، يجب على مفتشيكم أن يراقبوا خطبهم ودروسهم، هؤلاء الجهلة والإرهابيون يهددون النظام العام لمجتمعنا، واستقراره، وأمنه. الأدهى أنهم يهددون مكانة مؤسستكم ويطعنون في مصداقيتها. لا يخفاكم هذا بالتأكيد.

= هذه الوضعية الحساسة لمؤسستكم أيضا ستترتب عليها مسؤوليات. هذه المسؤوليات تقتضي تكييف الوضع القانوني للمؤسسة، نحن في بلد مؤسسات. فضيلة الإمام! أنتم في رُتبة رئيس وزراء، هذا أمر مفروغٌ منه. مسؤولية الممتلكات ستخضع وفق الترتيب القانوني لوزير مسؤول يتبع إداريًّا للرئاسة ورئاسة الوزراء، ومراقبة المواد الإعلامية والكتابية المختلفة ستكون مخولَّة لكم بطبيعة الحال، أنتم بيت الخبرة، ستبدون الرأي للقضاء أو لمجلس النواب، أو للوزير المسؤول، لاتخاذ اللازم فورًا.

اليوم الثاني
يدخل شاب وسيم حليق، يرتدي قميصًا وبنطلونًا، وجسمه معضّل. يصافحه الأخ الرئيس بحيوية مع قهقهة متواصلة وعبارات ترحاب غير مفهومة.

فيما يتعلق بالانتخابات المقبلة، فلا أحتاج إلى القول إنها ستكون أنزه انتخابات في تاريخ بلدنا، أعدكم بشرفي

= أريد أن أكون مباشرًا. أنا أعوِّل عليكم بصفة خاصّة. الناس لا تثق في خطاب المؤسسة الرسمية، هذا الخطاب الجامد العصيّ على التجديد. كثير من قياداته منتفعون أصلًا، والتجديد ليس من مصلحتهم.
= أنتم قريبون من الشباب. ازرعوا فيهم الأمل، الرغبة في الحياة لا الموت، حب العمل والإنجاز، خدمة المجتمع. أيضا، كافحوا الظلام، هذه الاتجاهات الشكلية المتشددة، التي تدعو للمظهر لا الجوهر. فتاواهم متخلفة، وصورتهم منفرة.

= بيِّنوا للشباب القيم المضيئة في ديننا، القدوات المنتقاة من حضارتنا، بدلًا من خطاب العنف، وخطاب الدروشة، وخطاب التدين المظهري. هذه الخطابات هي أعداء الخطاب الديني الذي نطمح إليه.

= انتشروا، برامج تلفزيونية، شكلِّوا جمعيات، مبادرات، تكتلات تجمع الشباب والشابات في أنشطة مفيدة. هل كل تجمع يجب أن يكون لأجل السياسة؟ هل ابتلعت السياسة الدين، وابتلعت كل نشاط اجتماعي معها؟ أهذا هو الدين؟!

اليوم الثالث
يدخل شيخ ضخم الجثة كبير البطن، يلبس عباءة فاخرة وطاقية سميكة، يفرُك سبحة طويلة بسرعة مذهلة. يصافحه الأخ الرئيس بخشوع، ويقبّل رأسه، ويكاد ينحني ليده فيسحبها الشيخ في فزع.

= سيدنا! تعرف أن لي "وصْلًا قديمة" بحب أهل البيت وأولياء الله الصالحين. لا أريد أن أفصح أكثر من ذلك عن علاقتي بآل البيت خصوصًا، (ولا تزكوا أنفسكم)! والله إن قبور الأولياء نور بلدنا، وحارستها. إن فيها روحانية عجيبة. أنا أستغرب من هذه القساوة والغلظة التي يتعامل بها المتطرفون مع الأولياء. في تقديري أن هذا يرجع لخطاب بدوي جلف أجنبي عن بلدنا وثقافتنا، عن دين بلدنا الذي نعرفه ويعرفه آباؤنا وعليه رُبِّينا. عمومًا لا خوف على السادة الأولياء، هم في عيوننا كما نحن في عيونهم.

= سبحان الله يا سيدنا! يؤتي الملك من يشاء. هذا قدر ومكتوب، وإرادة الله نافذة، ونحن جنود وأدوات، ليس أكثر. ألا ترى هذا التكالب على السلطة، يقتل المسلم أخاه؟ ولأجل ماذا؟ لأجل الكرسي؟ يعارضون الأقدار!

= وهؤلاء الذين يهتمون بتقصير الجلباب وإطالة اللحية، أين هم من حقيقة الإسلام، من مرتبة الإحسان! الجوهر قبل المظهر! الحقيقة لبُّ الشريعة. لا تستغرب يا سيدنا فأنا صوفي الثقافة تمامًا، ومنذ قديم، كما تلاحظ!

= ما هذا الانحدار الخلقي الذي نهش مجتمعنا؟ ما هذه الغلظة والجفاء؟ لماذا لا تفَعِّل الطرق بمجالسها وكوادرها أنشطتها؟ لماذا لم يعد لإحياء الموالد ومجالس الذكر والإنشاد بهاءها السابق؟ رغم توفر الإمكانات والمخصصات.

اليوم الرابع
يدخل رجل خمسيني يلبس بزة كاملة، ونظارة، حليق، أو ربما ملتح إلى حد ما. يصافحه الأخ الرئيس في حفاوة شديدة، ويحرص على تقبيل وجنتيه والتربيت على كتفيه.

= ربما لا يكون من الحصافة أن أخبرك بحقيقة تعلمونها، أو على الأقل تغلب على ظنكم. ولولا أن الاجتماع مؤمَّن ما أفصحت. أنا منكم! تعلمون علاقاتي القديمة مع الإخوة، لقد نشأت على كتب الإمام والشهيد والأستاذ! سبحان الله لقد دار الزمان دورته، والله غالب على أمره!

= العلمانيون الآن في أوجّ سخطهم، ومؤسسات الدولة تنظر إليّ بعين الريبة. موقفي ليس بالسهل كما تعلمون. ينبغي أن أتمادى في بعض السياسات والتصريحات التي لا أقبلها، والتي قد تكون صادمة لجمهورنا، ولكن هذه ضرورة المرحلة كي لا تجهض التجربة. ينبغي أن نوعِّي الشباب المسلم بحقيقة الظرف الحرج الراهن، المنطقة مشتعلة كما ترون بالصراعات، والتهور في تلك الظروف لا يؤدي إلا إلى فشلنا. يجب أن نتعاون في تقديم خطاب حكيم متوازن، يفهم التحديات، ولا ينجر إلى مزايدات المتنطعين.

= وفي كل حال: أنا لن أتنازل عن مبادئ الشريعة، هذا مستحيل! هذه ثوابت أمتنا، لقد كررت ذلك في خطبة التنصيب. نحن متفقون أن التفاصيل تخضع للظروف والزمان والمكان.

= بالنسبة للمعتقلين، فإنني لست في حرية التصرف الكاملة بحيث أفرج عنهم مباشرة. ولكن قد جدولتهم وسيكون الإفراج عنهم عبر دفعات، وبخاصة هؤلاء الذين لا يواجهون اتهامات جنائية. حتى المحكومون سأصدر قرارات عفو عنهم، ولكن بالتدريج. كل شيء يجب أن يكون بالتدريج.

يتساءلون عن صلاح الحال، ويطلبون من الحكومة أن تكون من الأتقياء الأنقياء! وهل أنتم أتقياء؟! أليس كما تكونون يولَّى عليكم؟!

= فيما يتعلق بالانتخابات المقبلة، فلا أحتاج إلى القول إنها ستكون أنزه انتخابات في تاريخ بلدنا، أعدكم بشرفي. مصلحتنا واحدة في ضوء ما قلت لكم. أريد أن أبني الثقة معكم، أنتم أكبر تيار منظم، وأنا أعلم أنكم أكثر تلك التيارات حرصًا على مصلحة الوطن. وبصراحة لا أستطيع أن أمنح ثقتي لتيارات تكفر بالوطنية أصلًا. سنرتب النسب الآمنة التي يمكن أن تمرر عبر الانتخابات النزيهة، وكذا مقاعد الحكومة. ستكون نسبة ضئيلة في مقاعد غير سيادية، ولكن هذا سيكون أمرًا تاريخيًّا، وله ما بعده. تحياتي للإخوة جميعًا.

اليوم الخامس
يدخل شيخ يرتدي جلبابًا أبيضَ شاهقًا، ليس بطويل، مع غترة سعودية. يصافحه الأخ الرئيس بتوقير بالغ ويقبله من كتفيه. تعلقت عين الشيخ الوقور بالسواك الذي سمق برأسه من جيب الأخ الرئيس. برقت عين الشيخ. يستحيل لمن يحافظ على السنة أن يضيع الفريضة.

= السلام عليكم! شيخنا الكريم. لقد ورثت تركة ثقيلة جدًّا، والله المستعان! المؤسسة الرسمية متشددة جدا تجاه الخطاب الصحيح للأسف، يتبنون خطابًا خرافيّا جامدًا، تسبب في تأخر الأمة قرونًا، لكن هذا أمر واقع.

= أحاول الإصلاح ما استطعت. نحن بصدد تأسيس لجنة تطبيق الشريعة، وحين تبدأ في تشكيل لجانها الفرعية، فإن هذا الأمر لن يستغرق سوى شهور يسيرة. نحتاج إلى بعض التعديلات الجنائية فقط، وبعض التكييفات في بعض القوانين، وإلا فكثير من الشريعة مطبَّق بالفعل.

= الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، هذه الحقيقة الراسخة التي أؤمن بها منذ صغري. كلنا سلفيون في الحقيقة.

= يجب أن نحافظ على مكتسبات الدعوة، أين كُنَّا وأين أصبحنا؟ لا يجوز أن نحيد عن نشر العلم، العلم قبل القول والعمل! الخراب الذي حلّ بأمتنا لم يكن إلا بتحريف الدين بالبدع منذ أقدم العصور، وحتى الآن نرى تحريف الدين من مختلف الجهات. من تجار السياسة مثلا. فماذا يعني حرق الشباب في السياسة والمظاهرات وهم خاوون من الداخل، إيمانيًّا وعلميًّا وتربويًّا؟ تفقهوا قبل أن تسودوا، أليس كذلك؟!

ناهيك عن دعاة التنوير المنفلت، خطاب التساهل والتعدي على الثوابت، فضًلا عن الخرافات والشركيات، الذي تتبناه المؤسسة الرسمية للأسف. وكما تعلمون فإن كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة. انظروا إلى التشييع! والتنصير! والمخربين المفجرين!

= لا حل إلا بالتصفية والتربية. لن ينصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، إلا بوجود جيل مسلم حقيقي، كإسلام الصحابة، الخالي من البدع، وهذا يحتاج إلى العلم والتعليم. كلِّي ثقة بأن تضطلعوا بهذا الدور.

اليوم السادس
يدخل شيخ غائر العينين، ذو لحية طويلة، وثوب قصير. يصافحه الأخ الرئيس ببعض يده، ولكن هذا لم يمنع الشيخ من الاحتفاء بالأخ الرئيس.

= الحقيقة إنني مستاء جدًّا، أريد أن أفهم كيف يفكر هؤلاء! ألا يرون ما يغوص فيه مجتمعنا من انحرافات ومخالفات، ثم يتساءلون عن صلاح الحال، ويطلبون من الحكومة أن تكون من الأتقياء الأنقياء! وهل أنتم أتقياء؟! أليس كما تكونون يولَّى عليكم؟!

= هؤلاء الخوارج، الذين يملؤون الفضاء والمنابر بالصياح، أليسوا ينازعون الأمر أهله؟ أين آداب النصيحة، وبابي مفتوح كما ترون أنفسكم؟ البدعة شر من المعصية. هؤلاء المتكالبون على السياسة يريدون تطبيق شرع الله، طيب! هل يمكن أن نقيم شرع الله بمعصيته؟ أنتظر منكم مزيدًا من المكافحة لأولئك المفسدين في الأرض، مكافحة على كل المستويات، علميّا، وأمنيًّا أيضًا.

= أعتذر عن ضيق وقتي، وليس عندي المزيد لأقوله. نحن نتفق على الأفكار العريضة كلها.

اليوم السابع

على المستوى الداخلي فإن النظم السياسية ليست قرآنا. نحن ننتقي منها ما يتفق مع الإسلام، وما يخالفه فلسنا في حاجة إليه!

يدخل رجل يلبس بزة صيفية، وله لحية متوسطة. يصافحه الأخ الرئيس، وينظر إليه نظرة ذات مغزى.
= أنا رئيس مسلم، لأمة مسلمة! لكن المشكلة أننا لا نرى الفضاءات النطاقات السياقات التي نحن فيها. ألا تلاحظون معي التمدد الرافضي الصفوي الخبيث في المنطقة، وتدخلات روسيا الملحدة، والإملاءات الصهيوصليبية التي تفرضها أمريكا وإسرائيل؟ حتى الدول المسلمة بالاسم كلها ذات أنظمة علمانية عميلة للاستعمار، عيَّنها الاستعمار!

= مهمتنا الأساسية الآن أن نحرس المفاهيم، أن نقود معركة الوعي. نحمس الشباب لقضايانا كي تظل حية في ضمائرنا. ولكن علينا في الوقت نفسه ألّا نتمادى فيما يضر بمصالح بلدنا، ولا نجر شبابنا إلى العنف والإرهاب، لأن هذا كفيل بإجهاض كافة مساعينا الداخلية والدولية لنصرة قضايانا العادلة.

= على المستوى الداخلي فإن النظم السياسية ليست قرآنا. نحن ننتقي منها ما يتفق مع الإسلام، وما يخالفه فلسنا في حاجة إليه! نعم قد نتعامل مع ما نرفضه أحيانا كثيرة، هناك ظروف قاهرة، مصالح ومفاسد، يجب أن نكون واعين لذلك ونشرحه لشبابنا المتحمس. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لازم، ولكن في إطار المؤسسات المسؤولة، وإلا فسنكون في غابة.

= خارجيّا نحن نشارك في جميع التحالفات الممكنة لنصرة قضايانا، صحيح أن بعضها فيه من لا نرضاه من أعدائنا والمتآمرين علينا، وقد يكون فيها من السياسات ما يضادّ اقتناعاتنا، ولكن لا ينبغي أن ننسى الفضاءات النطاقات السياقات. صلح الحديبية مثلًا. الفوضى مرفوضة، هي شيء يريده أعداؤنا. الجهاد مطلوب، وهو إستراتيجية أساسية، ولكن (وأعدوا).

اليوم السابع نفسه
= ما الآتي في برنامج اليوم؟ آه اجتماع وزير الداخلية ثم ووزير الخارجية.
بالنسبة لوزير الداخلية: هل وصلت تقارير إبداء الرأي حول قوائم اعتقالات الإرهابيين، والممنوعين من السفر، ومن الخطابة واللقاءات الجماهيرية، وتوصيات القنوات المراد إغلاقها؟

وفيما يتعلق بوزير الخارجية: هل جهّز أوراق اشتراطات صندوق النقد الدولي، وتقرير لقاء السفير الأمريكي، وطلبات الخارجية الروسية، ومتابعات التنسيق الأمني الإسرائيلي، ومكالمة الرئيس الإيراني؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.