شعار قسم مدونات

التكنولوجيا والثورات العربية

blo - media
تخيل عزيزي القارئ لو أن البوعزيزي أشعل نفسه قبل 50 سنة من الآن، من كان ليعلم أو يهتم بما حصل معه، ومن لا يعلم أو نسي من هو البوعزيزي..
 

هو رجل من تونس بسيط صودرت عربة الخضار التي يعيش من ورائها في منطقة سيدي بوزيد، فما كان منه إلا أن أشعل نفسه احتجاجا، وكان سببا في إشعال الثورة التونسية ومن بعدها الثورات العربية، فلم يكن قبل نصف قرن هناك إنترنت تنتقل به صور البوعزيزي، ولا هواتف نقالة تتشارك هذه الصور بضغطة زر واحدة، ولا مجموعات للرسائل يرسل العضو فيها رسالة فتصل إلى أعضائها في مغارب الأرض ومشارقها.
 

قبل أن يتوحد الناس في الميادين أصبح بإمكانهم أن يتوحدوا على أهدافهم على منصات التواصل الاجتماعي

إن سرعة انتقال المعلومات بشأن هذه الحادثة واختلاف الوسائط المستخدمة جعلت من المستحيل على نظام قمعي كالنظام التونسي آنذاك أن يوقف السيل العارم من المعلومات إزاء هذه الحادثة فتفاعل الناس بشكل مباشر معها وانتشرت أصداؤها حتى وصلت إلى كل مكان في العالم وأصبح الجميع يردد "ارحل" وانتقل الاحتجاج من الساحات الإلكترونية إلى الساحات العامة، وانطلقت المظاهرات في كل تونس.. لا يوحدها ولا ينسق بينها سوى تكنولوجيا الاتصال، وتحولت إلى ثورة أطاحت بزين العابدين وكانت شرارة لثورات أخرى في وطننا العربي.
 

وفي مصر، انتشرت التسجيلات المصورة التي تظهر انتهاك رجال الشرطة للحقوق الإنسانية واستخدام الرصاص الحي ضد الناس، واستخدم المحتجون توتير وفيسبوك وغيره من منصات التواصل الاجتماعي كأداة للتواصل لتنطلق الاحتجاجات في كل أرجاء المعمورة.

فعندما يضرب حتى الموت خالد سعيد في الإسكندرية يعلم به كل المصريين خلال ساعات، وظهر للناس أبطال افتراضيون وصلت شهرتهم على منصات التواصل الاجتماعي حدا يجعل من السلطات ترتجف لمجرد سماع أسمائهم أمثال وائل غنيم وعبد الرحمن منصور وإسراء عبد الفتاح.. ولم ينفع ما قامت به السلطات المصرية من حجب للمواقع ولا قطع خدمة الإنترنت، فمع تطور وسائل الاتصال أصبح من المستحيل أن تمنع تبادل المعلومات حتى انهار النظام وعزل حسني من منصبه.
 

واستمر مسلسل الثورات في الوطن العربي، وفي كل مرة تثبت هذه الثورات بأن تكنولوجيا الاتصال تساهم في رفدها وتنسيقها، حتى أصبحت إحدى أهم المقومات لنجاح أي حركة أو احتجاج أو ثورة مدى استخدامها للتكنولوجيا بشكل جيد بما يخدم أهدافها.
 

وقبل أن يتوحد الناس في الميادين أصبح بإمكانهم أن يتوحدوا على أهدافهم على منصات التواصل الاجتماعي حتى تحين ساعة الصفر فتتحول الأرقام من فضاء الإنترنت ألى أرض الواقع.
 

ارتبطت التكنولوجيا بالحرية لدى الشعوب وستبقى عاملا مساعدا لها في الحصول على مطلبها الدائم في حرية التعبير

ولم تكن الأنظمة الحاكمة أقل وعيا بالذي يحدث، فما كان منهم إلا أن أنشؤوا جيوشا إلكترونية تصول في فضاء الإنترنت وتجول في منصات التواصل الاجتماعي لتبحث عن المعارضين، ووصلت في سلطتها إزاءهم إلى الإعدام والسجن لكل من يحتج بتدوينه أو تغريده.
 

وكما تقمع الأنظمة شعبها على الأرض فإنها تقمعهم حتى على الإنترنت ، فلم نكن نسمع قبل عن الجيش السوري الإلكتروني إلا عندما اندلعت الثورة السورية وأصحب جرائم النظام متوفرة على كل المواقع، وتعرضت صفحات النظام لهجمات إلكترونية احتجاجا على القمع والقتل في سوريا وظهر بعدها الجيش السوري الإلكتروني بإجراء مضاد وأصبح يهاجم كل معارض لنظام الأسد.
 

لقد ارتبطت التكنولوجيا بالحرية لدى الشعوب، وسوف تبقى عاملا مساعدا لها في الحصول على مطلبها الدائم في حرية التعبير والعيش الكريم، وسيبقى الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي منفذا تنطلق منه شرارات حركات التحرر ورسائل الاحتجاج على الظلم والدكتاتورية.
 

وأخيرا وقبل أن تفكر عزيزي القارئ بأن تعلن احتجاجا أو تشعل ثورة عليك أن تتأكد من خبرتك في مجال التكنولوجيا وأن توفر كل الوسائل من اتصال عبر الأقمار الصناعية إلى اشتراك موثق في مواقع التواصل الاجتماعي وخدمة إنترنت سريعة، ولا تتوقع أن يكون الأمر سهلا فغيرك قد استعد يما يكفي ليرد عليك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.