شعار قسم مدونات

المرياع والانصياع للسلطة

blogs-المرياع

أتعرفون ما هو المرياع؟

المرياع هو قائد قطيع الغنم الذي يعتمد عليه الراعي في توجيه غنمه.
والمرياع محبوب من كافة أفراد القطيع ودائما ما يسيرون خلفه.
 

وهو خروف كثير الصوف، جميل الصوت، ويتم إخصاؤه كي لا ينشغل عن وظيفته الأساسية وهي (قيادة القطيع)، أما عن جمال صوته فذلك لأن أفراد القطيع غالبا ما يتبعونه مطأطئ الرؤوس مستمعين لصوته الجميل دون الحاجة لمشاهدته أو مشاهدة ما يجري حولهم.
 

يتميز المرياع بالذكاء وقابليته للتعلم ويتسم بانصياعه لسلطة (الحمار أو الراعي) الأمر الذي يمكنه من قيادة قطيعه بسهولة ويسر إلى أماكن ورود الماء والكلأ

يقوم راعي قطيع الغنم بقص مقدمة قرونه تجنبا لنموها، فيحول ذلك بينه وبين الدخول في معارك ضد خراف أخرى قد تصرفه عن مهمته الأساسية، كما قد يتسبب هذا العراك في انشقاق بعض أفراد القطيع والخروج عن تبعيتهم له.
 

عادة ما يعلق جرس أو أكثر في رقبة المرياع يحركه فيحدث صوتا أثناء الحركة والمشي فيسمعه باقي أفراد القطيع فيستمرون في تبعيته والمشي خلفه أينما توجه وإن كان ذاهبا إلى أماكن ذبح أفراد القطيع.
 

يُدرب المرياع منذ صغره على اتباع الراعي والمشي بجواره وخلفه وأينما اتجه باستخدام الضرب والركل والإساءة. من أجل الاطمئنان على تأديته لمهمة انقياده للراعي كيف يشاء. كما يعتاد المرياع على عدم الخوف من الكلب الذي يحرس القطيع فهما معا دائما في خدمة سيدهما (راعي القطيع).
 

والمراييع نوعان، مرياع الراعي وهو من يتبع الراعي. ومرياع الحمار، وهو الذي يتبع الحمار فمتى تحرك الحمار تحرك المرياع وتتبعه الغنم.
 

يتميز المرياع بالذكاء وقابليته للتعلم ويتسم بانصياعه لسلطة (الحمار أو الراعي) الأمر الذي يمكنه من قيادة قطيعه بسهولة ويسر إلى أماكن ورود الماء والكلأ، والعودة منها حتى وإن لم يشبع القطيع أو يرتوِ من الماء فهو يسير خلف المرياع أينما سار وإن كان المسير سينتهي بموته.
 

ومن الروايات التي قرأتها عن المرياع، روايتان قرأتهما في مقال عن المرياع للأستاذ حلمي الأسمر، وسوف أنقلهما نصا كما وردتا في المقال.
 

الرواية الأولى، أن مرياعا سار بالقطيع في منطقة وعرة حتى وصل إلى حافة واد سحيق. فانزلقت قدماه فسقط أسفل الوادي فما كان من باقي القطيع إلا أن لحقه، بحكم الاقتداء، واحدا تلو الآخر لكون النعاج والخراف اعتادت أن تقاد.
 

والرواية الثانية يرويها أحد زوار المسلخ إذ يقول، ذهبت مع أبي يومًا إلى المسلخ ورأيت موقفًا عجيبًا، فقد رأيت مجموعة من الشياه عددها عشرون تساق إلى الذبح دون أن تلتفت أو تفكر في الهرب، ولاحظت أنها تتبع شاة قد جعلها الراعي قائدًا لها وهذا القائد مربوط بحبل يمسكه الراعي، فلما وصلت إلى مكان ذبحها بدأت الدماء تنتشر من تلك الشياه، وذبحت كلها باستثناء القائد، وبعد ذبحها أخذ الراعي هذا القائد ورجع إلى زريبته (بيت الغنم) سالمًا معافًى. فسألت أبي عن هذا القائد الذي تتبعه جحافل الغنم حتى إلى ذبحها فقال لي: هذا يسمى (المرياع) يتبعه بقية القطيع إلى أي مكان ويستخدمه الراعي لجمع القطيع في كل مكان، حتى ولو كان إلى الذبح.

المراييع في حياتنا

في حياتنا اليومية كم من المراييع نقابل، وكم منا من يتبع هؤلاء إما لحلاوة كلامهم أو لحسن مظهرهم أو حتى صخبهم، ومنا من يتبعهم لأنه تحت سلطتهم.

في اللغة الإنجليزية يسمى هذا المرياع Judas Goat أو يهوذا الماعز، لكونهم يعتقدون أن يهوذا الذي تسبب في صلب السيد المسيح عليه السلام، وذلك بخيانته له وتسليمه إلى الرومان. ويطلق عليه أيضا Bell-wether أو الكبش القائد.
 

مصطلح Bell-wether يستخدم كمصطلح سياسي، في كثير من الأحيان يتم تطبيق هذا المصطلح بالمعنى السلبي لوصف منطقة جغرافية تتبع منطقة أخرى سياسيًّا، فبناء على نتيجة الانتخابات بالمنطقة الأولى تستطيع التنبؤ بالنتيجة بالمنطقة الأخرى.
 

في حياتنا اليومية كم من المراييع نقابل، وكم منا من يتبع هؤلاء إما لحلاوة كلامهم أو لحسن مظهرهم أو حتى صخبهم، ومنا من يتبعهم لأنه تحت سلطتهم ويظن أنه ما بيده حيلة إلا اتباعهم، مع علمنا بأن هؤلاء ليسوا بقادة إنما هم أداة في يد الراعي وأنهم ما يتبعون إلا حمارًا.
 

سواء في العمل، في الجيش أو الشرطة، أو المدرسة، أو أي مؤسسة تعمل بشكل أفضل، ينصاع أفرادها لسلطة من هم أعلى درجة وتنفيذ أوامرهم. ولكن في أوقات ما، مجرد تنفيذ الأوامر أو الانصياع لسلطة الرؤساء قد يؤدي إلى الهلاك، وللأسف منا من يتبع الأوامر وإن كانت ستفضي إلى هلاكه، إما موته أو أن تؤثر سلبيا على نفسيته أو تؤثر سلبيا على علاقته بأسرته وزملائه. 

العصيان الذكي

كما يدرب مدربو الكلاب، الكلاب على الطاعة، يدربونهم أيضا على العصيان الذكي. فمثلا عندما يقود كلب ما رجل كفيف، والرجل يريد أن يعبر الشارع ولكنه لا يرى أنه مليء بالسيارات، هنا دور الكلب أن يمنعه من عبور الشارع لأن الكلب يرى أن عبور صاحبه الشارع به خطر محدق عليه.
 

شركات الطيران تقوم بتدريب طاقم الطائرة على مبدأ العصيان الذكي، وذلك بتشجيعهم على أن يناقشوا قائد الطائرة في أي أمر طارئ يحدث على الطائرة، بالطبع أولا بطريقة لبقة ومهذبة، ولكن إن استدعى الأمر قاموا بتنبيه قائد الطائرة ببعض القوة في الحديث، ويكون الفيصل بيهم في هذه الحالة هو كتيب التعليمات الخاصة بالطائرة.
 

العصيان الذكي لا يتعلق بالتحدي من أجل التحدي. الجزء "ذكي" هنا يعني أنك لديك الإمكانية على تقييم الضرر، سواء كان ضررا على نفسك أو كان على الآخرين، قبل اتخاذ القرار بعدم الانصياع لأوامر ممثل السلطة. والفكرة هي اتخاذ القرار الذي من شأنه أن ينتج نفعا أكثر وضررا أقل حتى وإن كان هذا خلاف ما أملي عليك من أوامر.
 

للأسف… صمم النظام لدينا لغرس روح الطاعة والانصياع للسلطة بدلا من الشعور بالمسؤولية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.