شعار قسم مدونات

ترافق

blogs-المظهر
 

إذا اعتبرنا أن جسدك حاوية، فالجوهر اللامادي الذي يملؤها هو أنت الحقيقي، أو هكذا نقول دائمًا.
 

الآن تخيل القيام بالـ thought experiment التالية: لنفترض أنك انتقلت من جسدك الحالي إلى جسد طفل عمره شهر، وذلك بدون أن تفقد أي شيء من جوهرك –بمعنى أن عقلك، مشاعرك، أفكارك، رغباتك.. كُل شيء لا يزال كما هو بدون أدنى تغيير.
 

إذا كانت الحاوية غير مُهمة فمن المُفترض ألا تشعر بأي فرق، ولكن هل هذا هو ما سيحدث بالفعل؟ لا، الأمر سيكون أقرب ما يكون لربط روحك بحجر ووضعها في سجن تحت الماء.. مُجرد التفكير في الأمر يُشعرني بعدم ارتياح غير طبيعي.

 

الجسد والجوهر لا يسبق أحدهما الآخر في الوجود، هُما يتشكلان معًا ويُشكّلان بعضهما البعض بصُورة تجعل من المُستحيل فصلهما

يعني تخيل مثلًا أنك سترغب في الذهاب للقاء صديق ما (تذكر أنك لا تزال تحتفظ بجوهرك كما هو)، لتكتشف أنك بالكاد تتحكم في أي طرف من أطرافك، وأنك بحاجة إلى الانتظار لعامين داخل هذا الجسد إلى أن تتمكن من الوقوف.. رُبما قد تجد في نفسك رغبة لمناقشة شخص آخر في بعض الأفكار، لتكتشف أن عليك الانتظار لعامين حتى تتمكن من التفوه بكلمات مُقطعة بالكاد تحمل أي معنى.

 

يُمكنك أن تستمر في تخيل الأمر، وستجد أن كُل شيء يتحرك بك نحو نفس النُقطة: وحدة مُطلقة وشعور بالعجز.
 

هل الجسد مُجرد حاوية للجوهر لا تحمل أية أهمية؟

في السابق كنت لأقول نعم.. كانت لدي قناعة بأن الجوهر يأتي مُكتملًا، وما يحدث هو أن البشر يبدأون في استيعاب جوهرهم بالتدريج بينما تنمو عقولهم، بمعنى، كنت أعتقد أن الجوهر ثابت، وأن الجسد هو مُجرد وسيط لمعرفة هذا الجوهر.
 

ولكن للعديد من الأسباب تغيرت قناعتي هذه.. شئنا أم أبينا، فالبشر كائنات هجينة بين المادة واللامادة.. من المُستحيل اختزال البشر إلى أجساد فقط، ومن المُستحيل اختزالهم إلى أرواح فقط.. في كلتا الحالتين سيكون الناتج مسخًا.
 

ولكن الأمر لا يتوقف عند هذه النُقطة، لو توقفنا هُنا فلن يكون هُناك أدنى اختلاف بين البشر والآلات، الآلات تمتلك جانبًا ماديًا (الهيكل الميكانيكي)، وجانبًا غير مادي (البرمجيات).
 

أحد الفروق الجوهرية بين البشر والآلات هي طبيعة "العلاقة" بين هذين الجانبين، في حين أنه بإمكاننا بناء كلًا من الجانبين بشكل مُنفصل في الآلات، هذا الأمر لا يحدث في حالة البشر.

من المُستحيل للهوية أن تتشكل بمعزل عن الجسد الذي تسكنه وإن حدث تنافر بين الهوية والجسد فهذا عطب يجب إصلاحه

الجسد والجوهر لا يسبق أحدهما الآخر في الوجود، هُما يتشكلان معًا، ويُشكّلان بعضهما البعض بصُورة تجعل من المُستحيل فصلهما، لو لم يكُن هذا هو الأمر، لما حصلنا على النتيجة التي حصلنا عليها من تجربتنا السابقة.
 

هُناك العديد من الأشياء التي يُمكننا استخلاصها من هذا التصور، على سبيل المثال، من المُستحيل للهوية أن تتشكل بمعزل عن الجسد الذي تسكنه، وإن حدث تنافر بين الهوية والجسد فهذا "عطب" يجب إصلاحه.
 

النُقطة الأخرى هي أنه عندما يتحدث البعض عن كونهم دائمًا ما يهتمون بالجوهر فقط دون المظهر، فهُم يكذبون بدون مُبرر. كما أنه ليس بالإمكان فصل جسدك عن جوهرك، فليس بالإمكان أن ترى الآخرين كجوهر عائم لا يمتلك جسدًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.