شعار قسم مدونات

في قوائم الإرهاب الدولي.. لحية تختلف عن لحية

bloga-شيعة

كثيرون يتساءلون عن كنه العلاقة بين إيران صاحبة شعار الموت لإسرائيل وإسرائيل في ظل المقاومة اللسانية والمعارك الكلامية بين الطريفين، كما يتساءل البعض عن خلو قوائم الإرهاب الدولية ولا سيما الأمريكية من الفصائل الشيعية المدعومة إيرانيًّا مثل حزب الله ومليشيات الحشد الشعبي وكتائب أبي الفضل العباس العراقية، على الرغم من أن جرائمها المروعة تتجاوز الحدود الجغرافية والإنسانية، بل تعدى الأمر إلى دعم طائرات الشيطان الأكبر لقاسم سليماني وحرسه الثوري في معاركهم ضد سنة العراق والشعب السوري الثائر، ولا ننسى التعاون المشترك بين واشنطن وطهران في إسقاط نظامي بغداد وكابول.

الغرب قارئ جيد، وهو يدرك تمامًا أنه لمعرفة عدوك لا بد من فهم التاريخ الذي يستند إليه ووعي العقيدة التي ينطلق منها

بينما نجد أن أصغر فصيل سني يتصدر قوائم الإرهاب على الرغم من أن نشاطاته لا تتجاوز منطقة جغرافية صغيرة ولا تتعدى مواجهة طاغية مستبد معين، فلماذا تختلف لحية عن لحية في قوائم الإرهاب الدولية؟
 

مما لا شك فيه أن الغرب قارئ جيد، وهو يدرك تمامًا أنه لمعرفة عدوك لا بد من فهم التاريخ الذي يستند إليه ووعي العقيدة التي ينطلق منها.
 

إن تناول المعطى الديني والمعطى التاريخي اللذين يشكلان العلاقة بين إيران الفارسية وإسرائيل اليهودية ربما يحتاج إلى مجلدات ضخمة ولكننا سنكتفي في هذه التدوينة بتلميحات وإشارات يفهمها اللبيب توضح بجلاء طبيعة العلاقة بين الطرفين وبالتالي فهم الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط، وربما نجيب عن السؤال اللغز: لماذا يفضل العالم الاستعماري المسلم الشيعي ولو كان شيطانًا رجيمًا على المسلم السني ولو كان ملاكًا ذا أجنحة مثنى وثلاث ورباع؟
 

لو استنطقنا التاريخ الغابر فسيخبرنا بأن الخلاص اليهودي يأتي من الطرف الفارسي استنادًا إلى مزاعم توراتية تتمثل بإعادة الفرس اليهود المنفيين في بابل إلى أورشليم بعد تدمير الهيكل على أيدي البابليين حيث أمر الفرس بإعادة بناء الهيكل، وإنشاء مقاطعة يهودية في أجزاء من فلسطين، فقد قام اليهود بمجزرتي نجران (523) والقدس (614) حيث اشتروا المسيحيين من الفرس وذبحوا بحسب المؤرخ البيزنطي ما يقارب 90 ألفًا تحت مظلة الفرس، واليوم يرتكب الفرس مجزرتي دمشق وبغداد تحت المظلة اليهودية، ولك أن تتصور طبيعة العلاقة بين فارسي وصهيوني يرى في كورش الفارسي مخلص الرب الأكبر بحسب توراته المقدس.
 

ولك أن تعلم أن آرثر جيمس بلفور استمد وعده المشؤوم بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين من وعد كورش الفارسي الذي نهب ودمر بابل بمساعدة اليهود من داخل المدينة وكافأهم بتوطينهم في فلسطين ومنحهم جزءًا كبيرًا من كنوز بابل، وقد عرف عن بلفور تأثره بتعاليم العهد القديم وتعصبه للفكر الصهيوني المتطرف.
 

ومن المفيد القول إن التاريخ لا يتجدد في جوهره وإنما يتبدل في مظهره وينزاح عن الأصل بمقدار، ومهمة الباحث المتبصر تحديد مقدار هذا الانزياح الذي يظنه الناس تاريخًا جديدًا.

بعد معركة جالديران الشهيرة التي انتصر فيها العثمانيون على الصفويين أطلقت إيران حشدًا شعبيًّا هائلاً من بغداد والكوفة والنجف لقتال النواصب وتم ارتكاب أفظع المذابح ضد سنة إيران والعراق وتحت الشعارات الطائفية نفسها التي يرددونها اليوم: يا لثارات الحسين، وهيهات منا الذلة، وكل أرض عاشوراء، وكل يوم كربلاء، وقتال يزيد العصر.
 

وفي الواقع وكما هو الحال اليوم كانت شعاراتهم تجد أذنًا صاغية على طول جبال الساحل السوري من لواء إسكندرون إلى صفد، فقد كانت تعدهم بأنها قادمة وكان حلفاؤها من أبناء الطائفة يتراسلون ويتواصلون مع المنقذ الإيراني الذي يبرر بناء هذه التحالفات بقيام حلف مقاوم لمحاربة الغربيين الصليبيين الذين يتوعدون بغزو الحرمين والمسجد الأقصى (كذبة محاربة الشيطان الأكبر أمريكا وإسرائيل وتحرير القدس اليوم) وبذلك كانت تمهد لدخولها إلى الشام واليمن تحت عنوان بناء حلف مقاوم يبدأ هلاله من طهران إلى صفد التي كانت عاصمة الجنوب اللبناني الحالي وجبل عامل.
 

ولو عدنا للماضي القريب لوجدت الحال نفسه فقد ذكرت وثيقة كيفونيم الصهيونية الشهيرة 1982 ما مضمونه أن وصول الخميني إلى سدة الحكم في إيران سيساعدنا على إثارة النزاعات الطائفية وتفتيت المنطقة إلى دويلات دينية صغيرة متناحرة خاضعة للدولة الدينية الكبرى إسرائيل. ويمكنك أن تنظر حولك لترى كيف أشعلت إيران من خلال أذرعها الطائفية النار في اليمن والعراق وسورية ولبنان والبحرين، وهذا ربما يفسر لماذا أنتج الغرب الثورة الإسلامية في إيران حتى تكاد تكون الثورة الإسلامية الوحيدة التي سلم بانتصارها ودعمها في حروبها وأزاح كل أعدائها في العراق وأفغانستان وباكستان ولبنان وقريبًا في باقي دول الخليج العربي.

 

عموم الشيعة يدينون بالولاء والطاعة العمياء لمرجعيات محدودة والسيطرة على هذه المرجعيات تعني السيطرة بالضرورة على عموم الشيعة وهذا الأمر غير ممكن عند المسلمين السنة

ويحق لك أن تتساءل عن مصلحة إسرائيل في المد الفارسي في المنطقة: إن حدوث حرب مذهبية في الوطن العربي بين السنة والشيعة لن يدوم طويلاً وسينتهي لصالح السنة الأغلبية والهدف هو مساعدة إيران في تغيير هذه النسبة عبر رموز إيرانية لبست ثوب العداء لأمريكا وحين تصبح النسبة متقاربة سيعلن على خلق فتنة كبيرة بين السنة والشيعة تصل إلى تفكك الأمة العربية مما يؤدي إلى زيادة الهيمنة الإسرائيلية والإيرانية الطويلة الأمد.
 

أما لو سألنا العقائد الدينية لعرفنا لماذا تفضل إسرائيل وأمريكا الفصائل الشيعية ولو توقفنا عند نقطتين فقط لكفى دليلاً:
 

– النقطة الأولى ما تسميه أمريكا القوة الابتدائية وهو أن عموم الشيعة يدينون بالولاء والطاعة العمياء لمرجعيات محدودة والسيطرة على هذه المرجعيات تعني السيطرة بالضرورة على عموم الشيعة وهذا الأمر غير ممكن عند المسلمين السنة.
 

– النقطة الثانية التي لا تقل أهمية عن النقطة الأولى تتعلق بفقه الجهاد، فالجهاد عند الشيعي معطل ولا يجوز البدء فيه إلا تحت راية المهدي المسردب وكل من يرفع للجهاد راية غير راية المهدي فهو طاغوت وهذا ما يفسر فتوى السيستاني بتحريم قتال الأمريكيين الغازين للعراق، ويفسر أيضا عدم تدخل حزب الله في فلسطين فلا وجود لمراقد شيعية فيها تبرر التدخل، بينما تدخل في سورية لحماية المراقد وفي العراق لحماية المزارات وفي البحرين للدفاع عن مجالس العزاء الحسينية وهذا النوع من الجهاد مباح تحت مسمى جهاد الدفع.
 

بينما نجد أن الجهاد عند المسلمين السنة فرض كفاية في السلم وفرض عين في الحرب ولا يدع السني الجهاد حتى تدع الإبل الحنين، وهذا ما يثير رعب الغرب، فلو تهيأت القوة للمسلمين السنة لأسقطوا دولاً وإمبراطوريات في غضون سنوات معدودات كما فعل المسلمون الأوائل ولبنوا دولاً وحضارات يعرفها حتى الجاهل بتاريخه، بينما لم يعرف التاريخ عند الطرف الآخر غير علاقمة كثر (نسبة إلى ابن العلقمي) تآمروا على دولهم، ولا يذكر التاريخ إلا دويلات أنشؤوها للقتل والخراب.
 

ولعل ما ذكره الكاتب اليهودي ح. هنغبي يختصر الحكاية كلها ويجيب عن الأسئلة جلها يقول: إن "ش. بلاو، أشهر جنرالاتنا درس معركة حطين ومات كئيبًا فزعًا من تغير الموازين لصالح المسلمين في زمن قياسي".
 

لقد مررت في هذا المقال اليسير على مفارق طرق المعرفة، ووضعت لك إشارات لتهتدي إليها، فإن شئت فاتبع الطرق لتقع على ما يروي ظمأ المعرفة لديك، فالتنوير أهم من التثوير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.