شعار قسم مدونات

ليست هذه فتح التي عرفناها

blogs-فتح
حينما يصرح مسؤول بفتح بأن كوادر حركته الذين يتلقون راتبا من الحركة ويبلغ عددهم 30 ألفا عليهم أن ينتخبوا مرشحي فتح في الانتخابات البلدية "بالكندرة" أي بالحذاء فإن عليك أن لا تستغرب ذلك من حركة باتت تخضع للاحتلال وتطيع أوامره بالحذاء والسلاح وكل ما يمكنك أن تتصوره من وسائل إذلال يمارسها العدو بحقها طالما أن هذه الحركة التي سيطرت على السلطة منذ اتفاق أوسلو عام 1993 قبلت بهذا الدور من أجل تحقيق مكاسب لا تمت إلى البرنامج الوطني بصلة.
 

والغريب أن الفيديو المسرب -الذي لم تنفه فتح حتى الآن- يتضمن استحسانا من الكوادر الذين حضروا لقاء المسؤول الفتحاوي، حيث قاموا بالتصفيق له على ما قال، وكأنهم يقرون حالة مستشرية داخل فتح يلعب فيها المال دورا كبيرا في التجنيد والتنظيم بدون أن يعرف أدوار ومهمات هذا الجيش المترهل من الكوادر!
 

كان لهذه الحركة تاريخ مشرف بالنضال في سبيل فلسطين، لكن معظم القيادات الحالية تحاول الانسلاخ من ذلك عبر تقديم آيات الطاعة والولاء للاحتلال

كما تثير ردود فعل الحاضرين الاشمئزاز في النفوس السوية وتدفع للتساؤل عن مستوى الانحطاط الذي وصل إليه بعض من أبناء فتح التي تريد بعض القيادات تحويلها من حركة نضالية إلى حركة ذات ولاءات يرتبط كوادرها بالأشخاص وليس البرامج.
 

ليست هذه حركة فتح
 

رغم أنني لست متفاجئا جدا مما سمعته، فإنني أقول إنه ليست هذه حركة فتح التي عرفناها ولا هؤلاء هم رجالها. فهذه الحركة التي قدمت آلاف الشهداء وقادت النضال الوطني الفلسطيني لعقود تهبط الآن إلى هذا الحضيض.
 

لقد كان لهذه الحركة تاريخ مشرف بالنضال الذي قدم فيه بعض من قادتها أرواحهم في سبيل فلسطين، لكن معظم القيادات الحالية تحاول الانسلاخ عن ذلك عبر تقديم آيات الطاعة والولاء للاحتلال والتآمر على المقاومة واعتقال رموزها وتعذيبهم وتقديم معلومات عنهم لأجهزة الاحتلال.
 

وقد وصل الحال بها في أواخر التسعينيات إلى تسليم المقاومين من حماس كما حصل في خلية صوريف، وقتلهم كما جرى مع محيي الدين الشريف وعادل وعماد عوض الله.
 

صحيح أن حركة فتح بدأت التعامل منذ 1974 مع التسوية السياسية، ولكن بعض قادتها جروها للقبول بالتخلي عن الجزء الأعظم من حقنا التاريخي في فلسطين، ويجرون شعبنا من خلالها من تنازل إلى آخر للعدو بدءا بأوسلو عام 1993 وحتى الآن، حتى إنهم ذهبوا بعيدا في تلبية شروط الاستسلام والمذلة التي يطلبها العدو دونما مقابل، إلا من مكاسب وامتيازات شخصية لهم.
 

والأسوأ من هذا مجاهرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه يحارب المقاومة بل ويتهكم على المقاومين وأسلحتهم ويخرجهم من الصف الوطني الفلسطيني ليثبت للعدو أنه مخلص في توجهه للسلام في الوقت الذي يدير قادة العدو ظهورهم له ويرفضون السلام.
 

لا، ليست هذه هي فتح التي عرفناها يا كرام، فهي الآن بعد أن تآمرت على حكومة الوحدة المشكلة عام 2006 بغطاء دولي وإسرائيلي ترفض عملية المصالحة وتعطلها لأن العدو وأطرافا عربية معلومة للجميع لا تريد ذلك.
 

حالة انهيار
 

الأمل في استعادة هذه الحركة لدورها ضمن الصف الوطني، هو في قيام شرفائها بدورهم الطليعي وإنهاء حالة الانهيار الوطني التي قد تصل لمستويات أدنى من الحالية بكثير

ليست هذه هي فتح التي يرزح شرفاؤها في غياهب سجون الاحتلال، في حين يتمتع زعماؤها ببطاقات الـVIP الممنوحة لهم من قبل الاحتلال للتنقل في الأراضي الفلسطينية والسفر إلى خارجها والتمتع بتبذير أموال الشعب هنا وهناك، رغم معاناة الشعب الفلسطيني من ويلات الإغلاق والحواجز في كافة أنحاء الضفة. وحتى هذه الـVIP لا تكاد تنفع أصحابها حينما يقرر العدو حرمان هؤلاء منها لعقابهم على موقف اتخذوه أو حينما يقرر إيقافهم وتفتيشهم وإذلالهم على الحواجز!
 

ليست هذه هي فتح التي عرفناها، حينما تستنكف عن النضال مع بقية قوى الشعب الفلسطيني في التصدي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، وبعد ذلك تشارك في حصار الفلسطينيين هناك بالتواطؤ مع النظام المصري، ثم تعترض على جهود تركيا في تخفيف الحصار!!
 

لم تكن هذه هي فتح التي عرفناها، فالوجوه غير الوجوه والسلوك غير السلوك، والشرفاء فيها مهمشون أو معتقلون وأصحاب المشاريع الشخصية هم الذين يسودون ويقودون.
 

فإن كان من أمل في استعادة هذه الحركة لدورها ضمن الصف الوطني، فهو في قيام شرفائها بدورهم الطليعي وإنهاء حالة الانهيار الوطني التي قد تصل لمستويات أدنى من الحالية بكثير، حيث إن السقوط لا قاع له.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.