شعار قسم مدونات

ثورة الداتا

blogs-data
 
ماذا لو كنتم منكبين على كتابة رسالة على الورقة ومن يجلس بجواركم لم تتوقف عيناه عن تعقب ما يخطه القلم؟ ماذا لو كنتم تقرؤون ورقة خاصة وهناك من يتطفل ويرصد كل حرف فيها؟ ماذا لو كنتم تشاهدون شريط فيديو أو قرصاً مدمجاً (DVD) وهناك من يتابعه معكم عبر نافذة المنزل؟ ماذا لو كنتم تظنون أنكم على حريتكم خلف جدران بيتكم وهناك من يترقب كل فعلة من خرم الباب؟
 

ستشعرون بالانزعاج أليس كذلك؟ وقد تطلبون من المتطفل أو المراقب أن يحترم نفسه ويرحل. هذا إذا لم تتشاجروا معه وتلقنونه درساً في الأخلاق واحترام خصوصية الآخرين.
 

ماذا لو كان كل ذلك وأكثر يجري على الإنترنت وتطبيقات الأجهزة الذكية تحت مظلة جمع "الداتا" لأهداف كثيرة، فكيف نرفضه في الواقع ونقبله في العالم الافتراضي؟
 

قواعد البيانات تستخدم في تحليل أذواق المستخدمين وميولهم واهتماماتهم وتفاصيل أخرى وهذا يقلل من كلفة الحملات الإعلانية

البيانات "DATA" هي نفط القرن الواحد والعشرين، يقول الأستاذ في جامعة آرهوس الدانماركية وولفغانغ كلينواتشر. ويضيف الخبير في مجال "حوكمة الإنترنت" أننا انتقلنا عبر التاريخ من المجتمع الإقطاعي القائم على الزراعة والملكيات إلى المجتمع الرأسمالي عقب الثورة الصناعية وصولاً إلى مجتمع "الداتا".
 

ويستند المجتمع الأخير أي مجتمع "الداتا" على الأرض والطبقة العاملة ورأس المال وقواعد البيانات لفهم أكبر للأسواق والمستهلكين وأنماط المعيشة في المجتمعات المختلفة.
 

تستخدم قواعد البيانات في تحليل أذواق المستخدمين وميولهم واهتماماتهم وتفاصيل أخرى مما يجعل استهدافهم أكثر دقة من قبل المعلنين على الإنترنت، وهذا بالطبع يقلل من التكلفة للحملات الإعلانية ويعزز من نجاحها في الوصول إلى الشريحة المستهدفة من الزبائن المستقبليين.
 

تتطور آليات استهداف المستهلكين بشكل مستمر بفضل توسع مواقع التواصل الاجتماعي في عددها وشرائح مستخدميها وتنوع خصائصها.
 

ولعل ذلك يعيدنا إلى صفقة ضم تطبيق واتساب إلى كوكب زوكربيرغ بتسعة عشر مليار دولار في فبراير/ شباط ٢٠١٤. وقتذاك، طرحت أسئلة عدة عن هذا الحدث بينها هل يستحق فعلاً هذا التطبيق "المجاني" هذا المبلغ الضخم رغم تواضع مكاتبه وعدد موظفيه (أقل من ١٠٠ موظف)؟ كانت الإجابة إن ما تحتويه مخدماته (Servers) من بيانات لمئات ملايين المستخدمين تستحق كل دولار.
 

وفي الخامس من إبريل/ نيسان ٢٠١٦، أعلن واتساب أن جميع المحادثات التي تجري من خلاله ستكون مشفرة من المرسل إلى المتلقي أي لن يكون بمقدور أحد قراءتها بسبب زيادة وعي المستخدمين بشأن خصوصيتهم وارتفاع وتيرة المنافسة مع تطبيقات أخرى سبقته بالتشفير مثل "تلغرام" و"سيغنال" الأكثر أماناً.
 

وقبل أيام معدودة، أعلن واتساب أنه سيغير من سياسات الخصوصية وسيشارك أرقام هواتف المستخدمين مع شقيقه الأكبر فيسبوك في محاولة لتطوير الموقع الأزرق وقاعدة بياناته وسينعكس ذلك على الفيسبوكيين بظهور مقترحات لأصدقاء جدد وأشياء أخرى سنكتشفها خلال الأيام القادمة.
 

بالتأكيد هناك من صادف منكم ظهور مقترحات لإضافة أصدقاء لمجرد أن التقاهم للمرة الأولى، وهذا دليل على أن فيسبوك شرع في هذا الأمر قبل إعلان واتساب عن تغيير سياسة الخصوصية، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل اتصال الطرفين بذات شبكة الواي فاي العامة وتواجدهما في ذات النقطة الجغرافية وأمور إضافية لا مجال للخوض فيها هنا.
 

ليست هذه حدود الداتا فحسب، فهناك من يتسلل بين موجات الاتصالات لتعقب مكالماتنا ومحادثاتنا وتنقلاتنا الداخلية والخارجية وأماكن تسوقنا ونوعية مشترياتنا في الأسواق الواقعية والافتراضية، فعلى سبيل المثال بطاقاتنا الائتمانية مرتبطة برقم هاتف استحصلنا عليه من خلال جواز سفر أو بطاقة شخصية تحتوي على بيانات قد تكون بيومترية.
 

مواقع التواصل وتطبيقات الهواتف الذكية جاءت على طبق من ذهب للأجهزة الاستخبارية لتكون ساحة لجمع بيانات المستخدمين وتحليلها بدلاً من ملاحقتهم

تصرف الحكومات حول العالم مبالغ طائلة لرصد مواطنيها وملايين الأشخاص الآخرين. وبينما تتخذ الولايات المتحدة محاربة الإرهاب لا سيما عقب هجمات ١١ سبتمبر/ أيلول ذريعة لها، تشدد دول أخرى وبينها حكومات عربية رقابتها عبر شراء برمجيات معقدة وباهظة الثمن حفاظاً على ما تسميه الأمن القومي.
 

وقد جاءت مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية على طبق من ذهب للأجهزة الاستخبارية لتكون ساحة لجمع البيانات عن المستخدمين وتحليلها بدلاً من ملاحقتهم كل على حدا خلافاً لسياسات المواقع بشأن الخصوصية، إن أحسنا الظن بها.
 

ولكن إذا أسأنا الظن، فسنقع في "نظرية المؤامرة" وهو ما تجلى في فيلم "جايسن بورن" الذي يظهر وقوف وكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA) خلف تمويل مواقع للتواصل الاجتماعي مقابل تزويدها بباب خلفي (Back Door) للتسلل من أجل التجسس.

وعندما رفض مؤسس أكبر موقع للتواصل الاجتماعي "Deep Dream" منحهم مفتاح ذلك الباب وهددهم بأنه سيفضحهم أمام وسائل الإعلام والرأي العام وسيقرّ بذنبه للعمل لصالحهم بالسر سابقاً، أمر مدير الوكالة باغتياله، هل يدفعنا ما جاء في هذا الفيلم إلى السؤال التالي: هل مفاتيح الباب الخلفي ثمناً لبقاء أصحاب مواقع التواصل الاجتماعي على قيد الحياة أو بعيدين عن المشاكل على أقل تقدير؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.