شعار قسم مدونات

مدينة السلام

blogs - gaza

عندما نتحدث عن تلك البقعة من الأرض والتي تبلغ مساحتها 360كم2، فنحن نعني وبكل تأكيد مدينة غزة، تلك المدينة الصغيرة التي أضحت مدينة يسودها الظلام وتسكنها الأشباح البشرية بعد أن توالت عليها الحروب والأزمات، مدينة تسكنها أرقام وهمية لا صحة لها ولا وجود، غزة هي كلمة عجزت القصائد عن وصفها ولكنها وصفت أيام فيها حولت شبابها لشيب وشيبها لتراب.
 
من أين لي أن أبدأ حديثي عن غزة و فلسطين، وكيف لي أن أبدأه وأنا أعرف بأني أنا الحي الميت، فكل من يكتب عن فلسطين فقد جهز نفسه ليكون في عداد الموتى، لكننا رغم معرفتنا المسبقة بمصيرنا حين نكتب ثم نكتب عن هذه الأرض لم نتوقف أو نتوانى للحظة عن استنشاق عشقها، فهي الأم التي حملتنا في بطنها تسعة أشهر وكرست جهدها لكي نصبح شخصيات وكلمات سطرت في كتب التاريخ، وعلمتنا كيف نتنسم عبق الحرية.

استشاط الموت غضباً على هذه المدينة المسالمة فأعلنت الحرب، وأخذ الموت يعاقب كل من فيها، فخطف الأرواح وجعل من دماء الشهداء عطراً يمزج بعبق الأرض.

 اليوم، واليوم ترفض كلماتي أن تبقى حبراً على ورق، فآن لها أن تعبر عن غضب يسكن في أعماقها، فالألم أصبح أثقل مما نعتقد، أصبحنا إلى الله أقرب هو فقط من تذرف له الدموع وتأن له القلوب وتشكى له الهموم، أصبحنا من كل البشر أبعد.

تُرى كيف سأخبرك يا صغيرتي عن لعبتك التي كنت تداعبينها كل مساء وكيف محقتها غربان السماء ونعتها الملائكة الحسناء، كيف أخبرك عن غرفتك التي سكنت فيها أجمل الذكريات وكيف غدت كومة من رماد، كيف لي أن أحدثكم عن طفل كان يلهو بكرته على الشاطئ مع رفاقه وكيف اصطادتهم قذائف الموت، كيف أخبر أم بات جميع أبنائها هباءً منثوراً وقصة من الماضي البعيد.

استشاط الموت غضباً على هذه المدينة المسالمة فأعلنت حرب عام 2014، وأخذ الموت يعاقب كل من فيها، فخطف الأرواح وجعل من دماء الشهداء عطراً يمزج بعبق الأرض لتفوح منها رائحة المسك والعنبر، وانتشرت رائحة الموت بشكل لا مثيل له، وأصبحت غزة فتاة يتيمة بلا أهل ولا مأوى، فلا داعي للحديث عن أهلها الذين تركوها وحيدة في هذا الظلام وذهبوا بلا رجوع، أصبحت غزة كالفتاة التي غدرت بها الأزمان تنظر إلى نفسها في المرآة فيهيأ لها بأنها عجوز شارفت على المئة وقد تجعدت ملامحها وصار شعرها بلون الثلج لهول وفظاعة ما مرت به من مآسي وخذلان.

لكن وعلى الرغم مما يحدث لغزة وفي غزة من دمار وكوارث، فهي مدينة السلام مدينة الحب والخير، كانت وما زالت تحب أن يعيش الجميع بأمن واستقرار، فهي من كتبت بدماء أبنائها سطور قصيدة المحبة، ورفعت فوق أزقتها علم الأمل للعيش في غد مشرق، وأطلقت العنان للحمامة البيضاء أن تحلق عالياً في سمائها بكل حرية. غزة مدينة يولد فيها الحلم، وتكتب فيها قصيدة الحب، وتزف فيها العروس بفستانها الأبيض، ويولد فيها شبل المستقبل، غزة عاصمة السلام وهي رمز للعزة ، فنحن لغزة وما لغزة أحد سوانا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.