شعار قسم مدونات

البطالة.. عقبة في وجه التنمية

البطالة .. عقبة في وجه التنمية
يقع على عاتق الحكومات المتعاقبة بشكل أساسي رفع مستوى المجتمعات التابعة لها والرقي بها من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

 
وربما تعتبر محاولات القضاء على البطالة وتوفير فرص عمل أكثر وأفضل للعاطلين عن العمل وأصحاب البطالة المقنعة هي التحدي الأكبر داخليا أمام هذه الحكومات، ولا سيما في ظل تزايد صعوبات الحياة وتقلباتها.

 

يخرج ملايين الناس صباحا إلى وظائفهم وأعمالهم باحثين عن لقمة عيشهم وأرزاقهم، ويبقى غيرهم من الملايين أيضا بين جدران الفراغ والبطالة يتطلعون إلى من ينتشلهم من الظلمات التي يعيشون فيها، ومع كل حكومة جديدة ينظر هؤلاء لها نظرة أمل مغلفة بتوجس، أملا منهم بأنها ستكون الحل لمشاكلهم المادية والمعنوية، وأنها ستكون السند أمام التحديات التي يواجهونها، وعلى رأسها: الفقر، والاستغلال وعدم المساواة، وانتهاك حقوق الإنسان.
 

لم تغفل أي خطة حكومية البطالة من أجندتها، ولا تزال كل الحكومات تحرص على ردم ما استطاعت من فجوتها، وتضيف ما أنجزته في هذا المجال إلى سجل إنجازاتها، مما يشير إلى أنها هم ثقيل عليها، وتسعى ما جهدت إلى الخدمة فيه.
 

أخطأ العالم حين قصر العمل على مفاهيم ضيقة كالوظيفة والعمل المأجور

أخطأ العالم حين قصر العمل على مفاهيم ضيقة كالوظيفة والعمل المأجور، وأغلق الباب أمام مجالات واسعة من العمل تنهض بالمجتمع والمواطن وتنعش جوانب الحياة، كالتطوع والفنون والإبداع والرياضة، مما خلق ثقافة قاصرة تنتشي بالموظف والعامل ذي الأجر المدفوع، ولا تأبه بالمتطوع، والعامل من غير أجر مدفوع، أو أصحاب المهن البسيطة التي لا تكسب أصحابها ثروة كبيرة.
 

لم تكن المجتمعات السابقة مقسمة بهذا الشكل كمجتمعاتنا، إنما كان أهلها يعملون في حرفهم وأعمالهم وصنعاتهم، الكبير منهم والصغير، الأمير منهم والوضيع، دون ازدراء أو مقارنات لا تضيف لصاحبها ومجتمعه شيئا سوى الهم والنكد.
 

يذكر تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة الصادر عام 2015 تعريفا للتنمية يشير فيه إلى أنها العمل على توسيع الخيارات، وبتقديري ربما تكون هذه هي المهمة الأولى للحكومات أمام المواطن، من حيث توسيع خيارات العمل والوظائف والمهن والحرف وزيادة فرص الاستثمار وريادة الأعمال وخلق ثقافة جديدة للعمل والبناء في الحياة.
 

وهنا تحديدا يمكن أن نلتفت إلى المجتمع ومؤسساته المدنية التي يمكن أن تساعد في تغيير نظرة الناس إلى العمل ودعوتهم إلى تغيير نظرتهم إليه وتبني منهج نظر جديد، حيث يتحدث ستيفن كوفي في كتابه الأشهر "العادات السبع للناس الأكثر فاعلية" عن أن أكثر ما يقعد الناس عن التغيير والنهوض في الحياة هو القوالب الجاهزة التي ورثوها سابقا ولم يعد يرغبون بتغييرها أو هدمها وإعادة بناء ما هو أفضل منها.
 

تقف بعض الحكومات للأسف حجر عثرة في طريق نمو الإنسان وتوسيع خياراته

تقف بعض الحكومات للأسف حجر عثرة في طريق نمو الإنسان وتوسيع خياراته من خلال سن قوانين مقيدة للعمل والاستثمار، وتضييق مجالات العمل، والبيروقراطية القاتلة التي تصاحبك في كل ورقة صغيرة وكبيرة! وهذا كله معطل للإنتاج والتنمية، وقاتل لروح الإنسان وأحلامه ومشاريعه.
 

لا شك في أن معادلة التنمية مركبة، وأن علينا جميعا -مواطنين وحكومات ومجتمعات- أدوارا مترابطة للاهتمام بالعمل وتوسيع مجالاته وفرصه، والسعي للانتقال نحو مجتمعات متقدمة تهتم بالإنسان وخدمته، وترفع جودة ما يحتاجه من تعليم وصحة ومعيشة وغيره، وتعمل على رفع مستوى دخله، وتقليص الفجوة بين فقرائه وأغنيائه.
 

ربما تكون مشاهدة أفواج العمال والعاملين والساعين في الأرض وهم ينتقلون من أماكن سكنهم إلى أماكن عملهم كل صباح من أجمل اللوحات الفنية التي تصور العمل والتفاني في بناء الحياة، ولعلنا نصل إلى اليوم الذي نشاهد فيه لوحة فنية أخرى تصور خطة حكومية جميلة تضع صفرا -أو ما يؤول إليه- أمام نسبة البطالة في سلسلة إنجازاتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.