شعار قسم مدونات

الأندرويد ولا المذلة

blogs-أندرويد

أعترف أمام الملأ، بدايةً، أن طريقي إلى الأندرويد (نظام تشغيل أجهزة ذكية) كان عن طريق الصدفة. فلم أكن الباحث في غياهب أنظمة التشغيل، ولم أملك يوماً رفاهية شراء أجهزة مختلفة لتجربتها. فكاتب هذه السطور أتى إلى عالم الهواتف الذكية انطلاقاً من أجهزة نوكيا بنظام تشغيل "Symbian".

وبعدها وقفت أمام مفترق طرق: الأول، هو طريق آيفون ونظام تشغيل "ios"، والطريق الثاني هو أجهزة بلاك بيري، والطريق الثالث هو عالم واسع من الأجهزة بنظام تشغيل أندرويد القائم على نظام Linux المفتوح المصدر.

إذن الصدفة هي من قادتني إلى هذا الطريق دون ندم حتى الآن. اكتشفت خلاله الفرق بين شركة قدمت نظام تشغيلها إلى العالم مجاناً، وشركة أخرى قامت على مفاهيم الاحتكار واستهداف فئة معينة من المجتمع، وأقصد هنا آبل.

سمحت غوغل من خلال نظام الأندرويد المجاني والمفتوح المصدر للشركات المصنعة بإنتاج هواتف بمواصفات مختلفة تلائم قدرات جميع الناس.

كانت الفكرة خلف "Android" هو تطوير نظام تشغيل للكاميرات، لكن المبرمج Andy Rubin أثقلته الديون واضطر لبيع مشروعه إلى غوغل عام 2005 التي أبقته على رأس الفريق المطور ولكن هذه المرة لبرمجة نظام تشغيل هواتف ذكية. وبعد ثلاث سنوات، كان هاتف HTC Dream أولى الثمار بنسخة "Android Cupcake".

تقوم فلسفة غوغل على مبدأ التشارك ودعم البرمجيات مفتوحة المصدر. وهذا غير مستغرب على شركة يشغل منصب نائب الرئيس فيها Vint Cerf أحد أبرز آباء الإنترنت والذي قال يوماً إنه وزملاءه قرروا أن يشاركوا ابتكار الإنترنت مجاناً مع العالم بدلاً من وسمه ببراءة اختراع أو طلب حقوق ملكية عليه.

ومن خلال دراستي لعلوم الاتصال، ازداد إيماني بأن الوصول إلى المعلومات والاتصال من حقوق أي إنسان لا سيما في القرن الواحد والعشرين. ولعل العبارة الأمثل هنا هي "دمقرطة التكنولوجيا" أي أن تكون التكنولوجيا متاحة للجميع مهما كانت قدرته الشرائية ومستواه الاجتماعي، وهذا فعلاً ما قدمه الأندرويد.

سمحت غوغل من خلال نظام الأندرويد المجاني والمفتوح المصدر للشركات المصنعة بإنتاج هواتف بمواصفات مختلفة تلائم قدرات جميع الناس. لنتخيل مثلاً لو لم يكن هناك أندرويد فكيف كانت ستصل صور وأصوات الناس في مناطق النزاعات، فهل كلهم لديهم القدرة على ابتياع آيفون الباهظ الثمن؟ وكيف سيكون بإمكانهم التواصل فيما بينهم وتوثيق أحوالهم؟ وماذا عن أولئك المنسيين في أصقاع الأرض من العمال الفقراء والمعدومين، أليس من حقهم استخدام التكنولوجيا والاتصال؟

يتعلق الأمر بالنظر إلى العالم من زاوية أعرض لا تركيزها على أحوالنا ومقاسنا. فإن كنا نملك وفرة في المال للتباهي بجهاز تزينه تفاحة مقضومة، تمنحنا بدورها وهماً بأننا بقينا من مصاف النخبة وصفوة المجتمع فإن غيرنا يكافح من أجل ملعقة أرز.

أما فلسفة آبل فتقوم على مبدأ الفوقية والتعالي على بقية المستخدمين من خلال جعل أجهزتها تدور في دائرة مغلقة لا تدعم التفاعل مع أجهزة تعمل بأنظمة تشغيل مختلفة. ومن جهة ثانية، فإن أغلب أكسسوارات آبل لا تدعم إلا أجهزتها من الشواحن إلى وصلات الفيديو والمحولات المختلفة. وكأنها تقول للعالم إن شعب آبل يختلف عن بقية الشعوب!

إذا كانت سامسونغ خلف شهرة أندرويد فإنها أكثر شركة أساءت له من خلال الأجهزة المنخفضة المواصفات والتعديلات البرمجية السيئة.

هذا الوهم بالنخبوية التقنية والاجتماعية يدر مليارات الدولارات إلى خزينة آبل ليس من خلال الأجهزة فحسب بل حتى من الأكسسوارات الغالية الثمن. وأبرز الأمثلة هنا آيفون 7 وكمية الملحقات التي على المستخدم شراءها للاستمتاع بسماع الموسيقى وشحن الهاتف في ذات الوقت.

أتفق مع كثيرين بأن أندرويد يعاني من مشكلات برمجية والسبب في ذلك بعض الشركات المصنعة للهواتف التي تثقل الجهاز بما لا طاقة له به.

وإذا كانت سامسونغ خلف شهرة أندرويد فإنها أكثر شركة أساءت له من خلال الأجهزة المنخفضة المواصفات والتعديلات البرمجية السيئة. فلذلك، لا تحكموا على أندرويد من تجربة هواتف سامسونغ.

وتنسحب المشكلات التقنية والعتادية أيضاً على هواتف آيفون نفسها. فهل تذكرون، مثلاً، قبل سنتين تقريباً مشكلة التحديث لنسخة "ios 8" وما تسببت به من تعطل للهواتف وانعكس ذلك على هبوط أسعار أسهم آبل في البورصة. أما مشكلة الانحناء في أجهزة آيفون، فقد كانت محل سخرية وتهكم.

وقد شهدت السنوات الأخيرة تحولات جذرية في آبل خاصة بعد وفاة المؤسس Steve Jobs. فقد كان جوبز من أشد المعارضين لطرح هواتف بشاشات أكبر أو تزويد الألواح بأقلام أو حتى إنتاج هواتف بمواصفات منخفضة وبأسعار متدنية. لكن الرئيس الحالي Tim Cook فعلها وأضاف الكاميرات المزدوجة في الطراز الأخير، ليلحق بالسوق ومقلداً الشركات المنافسة العاملة بنظام أندرويد.

يسيطر أندرويد على سوق الهواتف الذكية بأكثر من مليار ونصف المليار مستخدم حول العالم بمعاونة شركات عملاقة مثل Samsung وHtc وSony وMotorola والعملاقان الصينيان Huawei وXiaomi. وبذلك ضمنت غوغل اشتراك مئات الملايين الجدد ببياناتهم في خدماتها مثل بريد gmail الممر الإجباري لاستخدام الأندرويد.

أخيراً، أعترف بأنني كتبت هذه التدوينة على جهاز Macbook من آبل بعدما أنهكني نظام ويندوز، وهنا ننتظر من غوغل أو شركة أخرى أن تقدم لنا نظام تشغيل بمتانة الأندرويد للكومبيوتر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.