شعار قسم مدونات

أوروبا والغرق في مأزق الشعبوية مع مسلميها

blogs - merkel

(1)
تتضح هذه الأيام "خارطة طريق" أحزاب وجماعات اليمين المتشدد في أوروبا أكثر من أوقات مضت. فمع كل حدث عنفي بسيط تنطلق عملية النفخ السياسي والإعلامي على تصنيف"الآخر"، فحتى طعنة سكين جنائية تتصدر الخبر الأول للوكالات المحلية، لكن ما أن يكشف عن أنها ليست بيد مسلمين حتى تصبح بدون مسميات "إرهابية ومتطرفة".
 

الفروقات التي يمكن لأي متابع قراءتها، بين تلك الجماعات وحزب "البديل لأجل ألمانيا"، المتطرف في خطاب الكراهية، سيراها في تكتيكات بسيطة تعتمد على "الظروف المحلية".
 

في مارس/آذار الماضي استغل حزب "البديل" الحالة الألمانية ليعزز مكانته في انتخابات محلية، في نصف الولايات الألمانية، وأثبت بعد 3 سنوات من تأسيسه عام 2013، أنه قادر على جذب أصوات الناخبين القلقين والخائفين، على حساب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل. والأخيرة تجد نفسها على خلفية 4 هجمات تعرضت لها بلدها، وبسياسة "الباب المفتوح"، باستقبال ما يربو على مليون لاجي/مهاجر، أكثر إنشغالا بما ستحمله الانتخابات القادمة لحزبها المسيحي الديمقراطي، وتحالفها المتأرجح مع "الاجتماعي الديمقراطي".
 

الحذلقة التي يتمتع بها ممثلو اليمين المتطرف تصطدم بمكونات أوروبية أخرى، تخشى من تطورات الصبغة الفاشية

على مدى أسبوعين هيمن الخطاب الشعبوي عن "الآخر"، وبدت التهمة للاجئين تعميما وكأنها من مسلمات دغدغة المشاعر القومية المتصاعدة في أوروبا. يعتمد المعسكر الشعبوي في أوروبا على خطاب شبه موحد بلغات مختلفة "هؤلاء ليسوا بلاجئين، بل محتالين.. وهناك مخطط لأسلمة أوروبا".
 

خلال الأيام التي تلت "الدهس في نيس"، وبعدها الهجمات الفردية في مدن فرنسا وألمانيا، أنصتنا لمعزوفة شعبوية شبه موحدة "علينا إغلاق الحدود بوجه المسلمين"، لكن، من يدقق بهوية أغلب منفذي أعمال العنف يستطيع أن يستدل على أن المعزوفة لا تستهدف "اللاجئين" فحسب.
 

في مركز أولمبيا التجاري بميونخ، كان مرتكب المذبحة يصرخ بشعارات يمينية بوجه العرب والأتراك، مستلهما فعلة جزار أوسلو، أندرس بريفيك.
 

في فرنسا تتكرر مأساة التمييز بحق مواطنين شبان ممن ولدوا وكبروا في "الجمهورية". ذات الأمر إنطبق على هجوم كوبنهاغن في فبراير/شباط 2015 على يد عمر عبد الحميد الذي ولد وكبر فيها.
 

يحاول اليسار، وبعض يسار الوسط، المفجوع بالتحولات اليمينية الواضحة منذ 2014، أن يسحب البساط من تحت أقدام اليمين المتطرف، لكن، بدءا من السويد شمالا، حيث يحكم "الاجتماعي الديمقراطي" (يسار وسط) مؤيدا بأحزاب يسارية، وحتى فرنسا، نجد خطاب التشدد وتبني قوانين صارمة، في إعادة تمثيل السقوط في مطب الخطاب اليميني.
 

وفق خطاب اليمين، وبملاحظة مختصين بالتحولات في الدول التي فيها أعداد كبيرة من المهاجرين، وتلك التي تعتمد خطاب أييولوجي في شرق أوروبا، فهو لا يقصد فقط "طالبي اللجوء المرفوضين."
 

في البحث عن كبش فداء في محرقة الفشل الهوياتي الأوروبي، تُرسل إشارات تحميل المسؤولية الجماعية، وبالتالي ترتفع أصوات "العقاب الجماعي". وبوضوح يريد هذا التطرف إقامة سواتر وخنادق بين مكونات المجتمعات الأوروبية، بعقلية "الغيتو" المنتشرة في الضواحي، وعلى حساب الدمج في دولة المواطنة والقانون.
 

(2)
على ما تقدم، يحذر علماء السياسة والاجتماع والنفس من كارثة مستقبلية، لو نجح هذا الاستقطاب، ليس فقط على تلك الهوية، بل على علاقات أوروبا الخارجية.. ترتفع أصوات أوروبية "ترامبية" (وهو توصيف سياسي ناقد لليمين) متمادية في فرز مكونات مجتمعية مهمة، تتراوح بين 5 و10 بالمئة في تلك الدول، حيث يشعر جيل من الشباب بالتهميش، الآخذ أحيانا بصيغة التمييز على أساس ديني وعرقي، وعلى أحكام مسبقة عن لون بشرة الناس، ويظن الشعبويون بأن "التهويل" حول المسلمين، مربح لحظيا، دون تفكير بعواقب ذلك الفرز وخلق اصطفافات مفزعة.
 

إن الحذلقة التي يتمتع بها ممثلو اليمين المتطرف تصطدم بمكونات أوروبية أخرى، تخشى من تطورات الصبغة الفاشية. فهؤلاء، وإن كان بعضهم ينتقد فشل الاتحاد الأوروبي في حل ما سمي "أزمة اللاجئين"، يجدون أنفسهم في دائرة الخطر المستقبلي، من شيوع خطاب فاشي كاره للتعددية الثقافية، لا يعرف فرقا بين يسار ومهاجرين وحركات مدنية وصحافة متنوعة .
 

واحدة من الملاحظات المقلقة لمستقبل أوروبا، بالأخص عند نخبها العقلانية، هي جر اليمين الشعبوي المتطرف، والموغل في العنف تاريخيا، مهاجرون، أو مواطنون من أصل مهاجر، نحو تبني خطابه، فيخلق صداما، يغسل يديه به، ويستخدمه للدلالة على صحة موقفه من عموم "الآخر".
 

ويا للأسف، بعيدا عن صراخ الشاب الألماني-الإيراني، بحق "الأجانب"، وهو يقتل مراهقين منهم، ثمة أصوات مهاجرة بدأت ترتفع في أوروبا، بتبن واضح لخطاب شعبوي بحق طالبي اللجوء.
 

لعب الصحافة الشعبوية دورا مؤثرا في خلق تلك الاصطفافات المتشددة. وإذا ما أخذ المرء بعض الأمثلة سيكتشف الخبث وراء ذلك النوع من تغطية وصياغة العنوان والخبر

في الأثناء، تلعب الصحافة الشعبوية دورا مؤثرا في خلق تلك الاصطفافات المتشددة. وإذا ما أخذ المرء بعض الأمثلة سيكتشف الخبث وراء ذلك النوع من تغطية وصياغة العنوان والخبر. وبتركيز مقيت، يدس السم بالعسل، يتم استنباط أصل وفصل شاب ولد وترعرع في المجتمعات الغربية، باعتباره ليس "نتاج بيئة مجتمعه"، بل ابن خلفية أهله.
 

لو أخذنا مثلا من الدنمارك في عنوان خبر، فسنقرا التالي "رجل يقتل صديقته بدوافع الغيرة". إذا ما قلبنا الخبر في ذات الصحف، ومنها "يولاندسبوستن" المعروفة بعدائها التام للمسلمين، سنقرأ التالي "شاب دنماركي من أصل عربي يرتكب جريمة شرف بحق صديقته"
 

الإشكالية في المثل أعلاه مستمرة منذ 3 و4 عقود. يسقط سياسيون وإعلاميون في فخ الشعبوية مرة إثر مرة. فبينما يوضح مختصون غربيون، ومسلمون وعرب، مرات ومرات بأن "قضية ختان البنات" لا تمت لديانة المسلمين بصلة، ترى وكأن "ماركة مسجلة" يُختم بها "الآخرون"، وفي معظمها تبعد الإيجابيات وتلتقط السلبيات بتهويل وتضخيم متعمدين.
 

أما السؤال المرتبط بكيفية خروج أوروبا ونخبها من ورطة الانتقائية في المواطنة والحريات، فذلك شيء آخر يحتاج لكثير من التفصيل، والذي يبدو أن إعارته بعض الاهتمام بات ترفا في تسارع السباق نحو ترسيخ خطاب غوغائي شعبوي يقوم على "الحب والكراهية" دون إعمال للعقل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.