شعار قسم مدونات

بريق الأندلس و ظلام أوروبا

blogs-الأندلس

ها نحن بصدد التحدث عن اقتصاد العصور الوسطى، خاصة من القرن التاسع وحتى القرن الحادي عشر و الأقرب إلى أن تكون مظلمة، حيث أصيبت حضارة غربي أوروبا بالوهن ، ولم يتبق من حضارة الرومان القدامى سوى قلة قليلة من مدارس الأديرة والكاتدرائيات والبلاط والقصور الملكية.

أما العلوم التي نقلت عن اليونانيين فقد اندثرت تقريبًا، وكان الذين تلقوا علماً فئة قليلة من الناس، كما ضاع الكثير من المهارات الفنية والتقنية القديمة، وأمسى العلماء في جهلهم، يتقبلون الحكايات الشعبية والشائعات على أنها حقيقة.

يُعد السوق واحدًا من أهم الأماكن في المدينة الإسلامية، حيث تجارة مختلف المنتجات، وقد شهدت الأسواق ميلادها بشبه الجزيرة في العهد الإسلامي.

وفي مقابل الظلام الدامس الذي خيم على غرب أوروبا، كانت الحياة أكثر إشراقًاً في جهات أخرى من العالم، فقد كان المسلمون في الأندلس في نفس الوقت يعيشون ثراءً حضارياً وثقافياً، ومن أبرز ما انتقل من الأندلس إلى الغرب وهو أهم أسباب تطور الحضارة الغربية هو علم الفلسفة الذي أخذه العرب من اليونانيين خصوصاً كتب الفيلسوف ابن رشد وشرحه لأرسطو.

العصر الذهبي للإسلام
يستخدم وصف العصر الذهبي للإسلام وصف مرحلة تاريخية كانت الحضارة الإسلامية فيها متقدمة، وتمتد من منتصف القرن الثامن لغاية القرن الرابع عشر والخامس عشر الميلادي خلال هذه الفترة، قام مهندسو وعلماء وتجار العالم الإسلامي بالمساهمة بشكل كبير في حقول الفن والزراعة والاقتصاد والصناعة والأدب والملاحة والفلسفة والعلوم والتكنولوجيا والفلك، من خلال المحافظة والبناء على المساهمات السابقة وبإضافة العديد من اختراعاتهم وابتكاراتهم 

الاقتصاد
أحدثت الحضارة الإسلاميَّة تحوُّلاتٍ اقتصاديَّة هامَّة، حيث تحول الاقتصاد من كونه زراعيًا بالمقام الأول إلى حضريًا وتنوع النشاط الاقتصادي في بلاد الأندلس بين زراعة وصناعة وتعدين.

يُعد السوق واحدًا من أهم الأماكن في المدينة الإسلامية، حيث تجارة مختلف المنتجات، وقد شهدت الأسواق ميلادها بشبه الجزيرة في العهد الإسلامي. ولاقت منتجات المعادن والمشغولات اليدوية مثل تلك المصنوعة من الحرير والقطن والصوف الرواج التجاري.

كانوا يصدرون منتجات المناجم ومعامل الأسلحة ومصانع النسائج والجلود والسكر وبرعوا في الزراعة، وكان يتم تصدير بعض المشغولات الفارهة، والتي تم إنتاجها بالأندلُس، إلى أوروبا المسيحيَّة والمغرب العربي والشرق. وكانت الورش والمحال التي يُصنع بها هذه المنتجات ملكًا للدولة، وكانت مالقة تشكل إحدى أهم أقطاب صناعة الفخار في العالم، حيث كانت تُحاك الألواح والمزهريات المزخرفة، والتي حققت شهرة كبيرة في دول حوض البحر المتوسط كان العبيد مصدرًا للأعمال اليدوية، وكان يتم التفضيل بينهم بناءً على العرق، حيث كان يُعهد لكل فئة منهم كميات مختلفة من الأعمال.

الزراعة
استخدم المُسلمون طرقًا حديثة للزراعة أو ما يُعرف باسم وسائل الهندسة الزراعية، إضافة إلى الطرق العملية في الري مع الاستعمال ‏الجيد للأسمدة لزيادة إنتاجية الأرض، وقد أنتجوا أنواعًا جديدة من الفاكهة والأزهار، مثل قصب السكر والأرز والقطن والموز، ووضعوا تقويمًا زراعيًا خاصًا سُمي بالتقويم ‏القرطبي، وأبدعوا في طرق تطعيم النباتات.‏

ولأن علماء الزراعة كانوا قد استحسنوا هذه العملية، أقيمت البساتين التي كانت بمثابة حقل تجاربهم، حيث كانوا يستعينون بأحدث ‏المؤلفات في العلوم الزراعية، وبفضل ما قدموه للزراعة، فقد تطورت وبلغت ذروتها، واقتبست أوروپَّا الأسس العلمية الزراعية التي توصل إليها المُسلمون، تمت زراعة القمح والشعير بالمناطق الأندلُسيَّة الجافة، كما راجت زراعة الحبوب والفول، الذين كانا يُشكلان الغذاء الأساسي للشعب، وجرى استيراد الحبوب من شمال أفريقيا في المناطق الأقل إنتاجًا.

نمت الزراعة نموًا مزدهرًا وأُدخلت زراعة الأرز إلى شبه الجزيرة خلال هذه الفترة، مثلها مثل الباذنجان والخرشوف وقصب السكر والزيتون والكتان. واشتهرت بعض المناطق بزراعة أنواع مُعينة من الفواكة، فعلى سبيل المِثال اشتهرت بلدة سينترا، الواقعة حاليًّا بمحافظة لشبونة، بالكمثرى والتفاح.
وما زالت منطقة الغرب بالپرتغال تتميز حاليًا بإنتاج التين والعنب.

سدّ تطوّر الزراعة في الأندلس حاجة الاستهلاك المحلي وقدم جزءاً كان يُصدر إلى الشمال الإفريقي ومنه إلى مصر، وربما وصلت بعض المنتجات إلى بغداد

وتوضح المعلومات الاقتصادية المتوافرة عن تلك الفترة من تاريخ الأندلس أن القمح كان المحصول الرئيس، ويبدو أنه كان يزيد على حاجة السكان في أغلب الأحيان . كما احتل الزيتون مرتبة مهمة فعُمد إلى توسيع نطاق زراعته وتحسينه لا سيما في المناطق المحيطة بمدينة جيان التي لا تزال حتى اليوم تعيش على الزيتون مصدراً رئيسيا لاقتصادها.

وأدخل العرب في سنوات ما بعد الفتح مزروعات جديدة إلى الأندلس شملت الحمضيات واللوز والتين والدراق والرمان والموز والزعفران والحلفاء والقطن والكتان وقصب السكر والمشمش"ومع الزمن أصبحت بلاد الأندلس كأنها بستان واحد متصل، كثيرة المبنى والثمار، وإذا سافر المرء من مدينة إلى أخرى، سار في مناطق عامرة مأهولة تتخللها قرى كثيرة نظيفة ومبيّضة الدور من الخارج، ولم يحتج المسافر أن يحمل معه زاداً أو ماءً.

وسدّ تطوّر الزراعة في الأندلس حاجة الاستهلاك المحلي وقدم جزءاً كان يُصدر إلى الشمال الإفريقي ومنه إلى مصر، وربما وصلت بعض المنتجات إلى بغداد.لكن هذا لا يعني أن الخير كان عاماً؛ إذ تسببت عوامل كثيرة في إضعاف المحصول في بعض السنين وحتى في وقوع مجاعات عدّة، كما حدث عامي 815 (199 هـ) و915 (302 هـ)عندما مات أكثر الخلق جهداً. أما في الأوقات غيرها فقد استطاعت الأندلس النهوض من محنتها ومتابعة صنع الرخاء الذي عرفته حتى في أوقات ضعف سلطتها السياسية.

واستفاد الأندلسيون في نشاطهم الزراعي من القنوات التي بناها الرومان في القرن الأول المسيحي، لكنهم زادوا عليها وأصلحوا القديم منها وحسّنوه وشقوا قنوات جديدة. وأتقن الأندلسيون التعامل بفنون السقاية وجلب المياه من مسافات بعيدة.

ومع انحسار الوجود العربي في منطقتي غرناطة وبلنسية نتيجة توغل ملوك الشمال في الأراضي الأندلسية، مع مرور الزمن تكثّفت الخبرة وتحولت المنطقتان إلى اثنتين من أخصب بقاع أوروبة، وبقيتا كذلك حتى رحّلت السلطات القشتالية الأندلسيين في بداية القرن السابع عشر.

وتعرض النشاط الزراعي في اسبانيا نتيجة الترحيل وأسباب أخرى إلى كارثة بسبب الإهمال استمرت حتى مطلع القرن التاسع عشر عندما تجدّد الاهتمام به اعتماداً على الكتب الزراعية التي وضعها الأندلسيون، ومع الزمن أصبحت اسبانيا من بين أكثر الدول إنتاجا للزيتون والدرّاق، وهي اليوم أكبر مصدر للزعفران ومركز الاتجار به مدينة البسيط جنوب غربي بلنسية.

الثروة الحيوانيَّة
كان للثروة الحيوانية دورًا أقل تأثيرًا في الجانب الاقتصادي، فظهرت أهميتها القصوى في الغذاء والنقل، فيما لعبت دورًا أقل في الأعمال الزراعية.

وكانت تربية الماشية أمرًا شائعًا، وخاصة الأبقار والماعز فيما مثلت الأرانب والدجاج مصدرًا للغذاء ودمج المسلمون النظم الهيدروليكية التي طورها الرومان مع تلك التي طورها الغربيين وقاموا بتطويرها بشكل يتناسب مع التقنيات الزراعية التي جلبوها من المشرق كالمحراث والساقية والشادوف والنورج. وأنشئوا طواحين المياه على طول الأنهار، وساعدتهم الرياح على التحكم بذلك، وأدخلوا السواقي لسحب مياه الآبار ورفعها، وقد أخذت أوروپَّا عنهم هذه التقنية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.