شعار قسم مدونات

شهيدٌ برسم التطبيع.. ومناهج تقتفي الأثر!

BLOGS-شهيد
عندما اختفت أو نُقلت كما ظهر لاحقاً طائرةُ الشهيد الأردني فراس العجلوني من مقرّها في العاصمة عَمّان في مبنى "صرح الشهيد" وظهرت فيما بعد بإحدى مناطق محافظة عجلون في الشمال، وقد نُصبت بإهمال وصل إلى حد عبث الأطفال بها وإتلاف بعض أجزائها.. ثارت الناس قليلاً، وكتب المثقفون والناشطون وأعلن الغاضبون عن غضبهم.. ثم ما لبث أن مات الصريخ ونسي الناس الموضوع.
 

واختفى كما اختفت الطائرة أيضاً من المناهج الأردنية الدرسُ المتعلق بالشهيد العجلوني وقصة بطولته وهو الذي يُعتبر أيقونة لكرامة وبسالة الجيش العربي في حرب 1967 على دولة الاحتلال، وقد ارتفعت وقتها الأصوات الشاجبة والنادبة والباكية على مناهجنا، رافضة إلغاء الدرس الذي ظل يُعلّم الأجيال تلو الأجيال معنى الدفاع عن القضية الفلسطينية ولو مع وقف التنفيذ، وقد ظل الدرس ملغياً حتى اليوم.
 

نحن نغضب حيناً من الدهر وننسى في اليوم التالي، وقد استشرى المضاد الحيوي في أجسادنا وقتل ما قتل فيها

لكن هذا الغضب وذلك الشجب الذي طال أرجاء مواقع التواصل الاجتماعي لم يصل صداه على ما يبدو وبشكل كافٍ إلى المسؤولين في الحكومة، أو وصل ولكن بدون ارتداد وعلى هيئة رجاء وأنين خافت، وعليه فقد استمر فيما بعد وبتواتر وبطريقة متدرّجة تغيّيرُ العديد من الدروس الأخرى.
 

ومؤخراً تم عمل مقارنات مصوّرة للكتب المعدّلة، حيث تبين حذف نصوص قرآنية تعليمية اُستبدلت بعبارات عادية، وأزيلت عبارات ونصوص مثل "ابن بطوطة حفِظ القرآن" "والمسجد" و"رضي الله عنه" واستبدلت أدعية الدخول إلى الحمام بعبارات تعليمية أخرى، وظهرت النساء بدون حجاب في الطبع الجديدة.
 

وقد تفاعلت الناس، ومنهم من غضب لمجرد التغيير ومنهم من تسائل عن الهدف من وراء التغيير وما إذا كان أي تغيير مثل هذا سينهض كما قالت وزراة التربية في ردّها بمستوى التعليم في المدارس الأردنية والذي قال مختصون إنه وصل إلى وضع تردّ في السنوات الأخيرة.
 

وبعد الضجة الكبيرة التي حصلت بعد هذه المقارنات الجلية الواضحة، خرج نائب رئيس الوزراء وزير الصناعة والتجارة جواد العناني ليقول بكل ثقة إن الحكومة فخورة بإزالة الموضوعات التي تحرض على الإرهاب رابطاً الأمر بما يجري في سوريا، ما يدل على استخفاف بالعقول وثقة عالية بأن هذه التصريحات لن تحرك أحداً.
 

ليس الأمر بجديد، بل جاء على مراحل متعدّدة بدأت منذ سنوات أخيرة، عندما بدأ يظهر في الخفاء توجهاً خفياً لعلمنة الدولة الأردنية بصور متعددة… بدأت ولم تنته بالمناهج التعليمية وعلى مراحل متتابعة متباعدة، تماماً كالمضاد الحيوي الذي يقتل الجراثيم الحميدة في جسم الإنسان ليعزز بالمقابل مناعة الجراثيم الدخيلة على مقدار الجرعات المتتابعة.

سعيد الشهيد..

للسياسة ناسها.. والصمت أفضل، للغضب وقته فلتهدأ النفوس.. وللشهداء بارئ يتولاهم برحمته..

واليوم صار عادياً جداً أن يُستشهد شاب أردني برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي وألا تقوم للناس قائمة، وأن يكون جُلّ ما تفعله الحكومة الأردنية أن تنقل جثمان الفتى سعيد العمرو ابن محافظة الكرك جنوبي البلاد إلى أهله ليزفوه كالعريس، وأن يصبح الغضب متواطئاً كالمضاد الحيوي مع الجراثيم الدخيلة ضد الجراثيم الحميدة لتقتل الهمّة وتبدلها بالخنوع والرضا والصمت المدقع في قلوبنا وعقولنا.
 

لا ننكر الغضب في عيوننا، نحن نغضب حيناً من الدهر وننسى في اليوم التالي، وقد استشرى المضاد الحيوي في أجسادنا وقتل ما قتل فيها من قدرة على ردات فعل حقيقية ضد التطبيع والتسليم للعدو الإسرائيلي، وكأن ما يجري في الضفة الغربية من جسدنا لا يعني حياتنا وروتيننا اليوميّ بشيء.
 

للسياسة ناسها… والصمت أفضل، للغضب وقته فلتهدأ النفوس… وللشهداء بارئ يتولاهم برحمته..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.