شعار قسم مدونات

لن يصنع أفلامنا إلا نحن

blogs - لن يصنع أفلامنا إلا نحن

نحن الذين تشبعنا أفلاما من غيرنا، و بنينا وعياً قائماً على بضاعتهم، وثقافة سينمائية من منبعهم، نسمع عنا منهم، يخبروننا كم نحن سيئون أو كم من الممكن أن نكون جيدين، ويرسمون مواسمنا بأعينهم، ويدعوننا لمواسمهم في بيوتنا، وتفتح القاعات على مصراعيها، لطوابير العائلات المصطفة لقضاء نهاية العطلة أو أيام العيد والأفلام هم لا نحن مَنْ يصنعها.

نحن الذين نغمغم بغضب، ونتململ قهراً، إذا غَمَزَنا الفيلم من قريب أو بعيد، لأنه لا يمثلنا، ولا يقدمنا كما يجب، فنغلق الصالات على فيلم "الخروج ملوك و آلهة"، لأن نبي الله موسى لم يُمثّل كما يجب، فتتجاوز مشاهداته عبر الإنترنت، عدد العابرين من بني إسرائيل إلى التيه، وإنْ تشاركنا معهم العبور والتيه.

نحن الذين استغفرنا آلاف المرات، على تصوير نبي الله نوح في شخص Russell Crowe، ولم يعجبنا الطوفان الذي أتى على البشرية وعلينا، فغرقنا، ولم نجد ألواح فيلمٍ و لا دُسُر سينما، ولا جبل إنتاج خاص بنا يعصمنا من الماء.
 

اصنعوا أفلامكم، وادفعوا بأبنائكم، وكونوا على قدر من الوعي بصانع الوعي، فلن يتحدث عنا إلا نحن ولن ينقل رسالتنا إلا نحن.

نحن الذين كنا نظن صناعة الأفلام ترفاً، فنصنع الأطباء والمهندسين، ونرمي بأراذل التحصيل العلمي، في تخصصات الفن ومساقات الشريعة، فندفع الثمن أفكاراً على الشاشات والمنابر، ثم نلعن الشاشات، ولا تقنعنا المنابر في كل موسم رمضاني، لمّا تجمعنا الشاشة منذ 25 عاما رغماً عنا، عائلةً كاملةً، عابرةً للحدود أمام الإنتاج الغث والسمين.

نحن الذين وقفنا مع البطل لما كان محتلاً في أفغانستان وفيتنام والشيشان والعراق، وباركنا القناص، وهو يتباهي في تعداد أرقامنا، وتمنينا النجاة لسفينة فيلم 2012 منقِذةَ الإنسانية حتى لو تم استثناء العرب منها، ودعونا الله أن ينقذ الكابتن فيليبس من براثن القراصنة الصوماليين الذين أنهكتهم مجاعتهم وأنهكتنا، وانتصرنا مع عميل الموساد كلما اغتال أحد المطلوبين على قائمته المناضلة، في فيلم ميونيخ.

نحن الذين نغدق الأمكنة و الممثلين وخدمات الإنتاج، في سبيل فيلم، لا نقرأ السيناريو الخاص به، لنتفاجأ به على الشاشة، يلعننا في عقر دارنا وقد كانت مسرحاً لتصويره.

نحن الذين حاصرنا العقّاد بالفتاوي والمال ومواقع التصوير، لمّا أراد أن يحدّث العالم بالرسالة، وأشعلنا المظاهرات المطالبة بوقف عروض فيلمه، فساويناه، بصانع الفيلم الدنماركي بعد عدة عقود، وأدركنا متأخرين، أن الرسالة كانت وحيدة، و تجربة يتيمة، دخل من ورائها في دين الله كثيرٌ من الناس أفواجا.
 

نحن الذين يعز علينا أن نرى أبناءنا ملتحفين برداء بطلهم الأحمر، ومتقنعين بجلد عنكبوته، ولا نتوقف عن مهاجمة من يصنع بطلاً حقيقياً من جلدتنا، نحن الذين نحارب مبدعنا، ونقتل مثابرنا، ونحتكر شاشاتنا، ونتوه في صراع الدّواخل ولما يعلم بنا الخارج أصلا.
 

نحن يا سادة، الذين سنؤكل سينمائياً يوم سمحنا أن يؤكل تاريخنا وثقافتنا وهمومنا، فأصبحنا هامشاً في لعبة الشاشة، وشماعة هلاك الكون، وخزان الموت الأسود.

اصنعوا أفلامكم، وادفعوا بأبنائكم، وكونوا على قدر من الوعي بصانع الوعي، فلن يتحدث عنا إلا نحن ولن ينقل رسالتنا إلا نحن ولن يصلنا بالعالم عبر قصصنا إلا نحن، ثم تسألني لماذا؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.