شعار قسم مدونات

أزمة استنزاف الشباب

blogs - youth

في الوقت الذي تُعاني فيه مجموعة من الدول تراجعاً حاداً في أعداد الشباب، والذين تقع على عاتقهم مُهمة الإبقاء على وجود الدولة أصلًا (من أين تأتي القوى العاملة؟ من المسئول عن الحفاظ على استدامة النمو الاقتصادي؟ من المسئول عن خدمة شريحة كبار السن المُتزايدة؟)، نجد أن هُناك مجموعة أخرى من الدول لديها "فائض" منهم.

 

أغلبية الدول التي تُعاني من مُشكلة تراجع أعداد الشباب الآن هي دُول مُتقدمة، ولهذا لن يكُون من الصعب عليها "استيراد" حاجتها من الشباب من البلاد الأخرى (عن طريق المنح الدراسية، خلق بيئة عمل جذّابة، تسهيل شروط الحصول على إقامة دائمة، تسهيل شروط الهجرة.. إلخ).

 

الدول التي تمتلك أعدادًا كبيرة من الشباب لديها ثروة هائلة، وإن لم تعمل على الاستثمار فيهم فهذا يعني أن نهايتها ليست ببعيدة.

لكن ماذا عن الدول التي لديها فائض الآن -كأغلب بلادنا- والتي تعمل "كمصدِّر" للشباب؟
على المقياس الحضاري، أغلبية هذه الدول يقع في ذيل القائمة. استمرار أسباب تخلف هذه الدول مع استمرار مُعدلات "التصدير" الحالية سيصل لنتيجة حتمية واحدة: تفاقم أعداد كبار السن مع تراجع حاد في أعداد الشباب، ولكن على عكس الدول المُتقدمة، هذه الدول لا تمتلك أي مصدر جذب قد يدفع الشخص للانتقال إليها. بعبارة أُخرى، لن تكُون هُناك أيّة حلول لإنقاذ الوضع عندما تصل هذه الدول إلى تلك النُقطة.

 

قد يتصور البعض أن هذا الأمر يتطلب وقتًا طويلاً قبل أن يحدث، ولهذا لا داعي للقلق الآن، ولكن للأسف الأمر يحدث أسرع بكثير مما قد نتخيل. على سبيل المثال، مُنذ وقت قريب أعلنت الصين عن توقف العمل بسياسة طفل واحد لكُل أُسرة بعد العمل بها لثلاثة عقود. السبب؟ أضرار هائلة وقعت على التوزيع السكاني ستحتاج إلى عدة عقود لإصلاحها، وعلى رأسها تراجع أعداد الشباب. نعم، دولة هائلة بحجم الصين يُمثل سُكانها خُمس البشر على كوكب الأرض بدأت تُعاني من نُقصان الشباب بسبب سياسة اتبعتها لثلاثين عامًا فقط.

 

الدول التي تمتلك أعدادًا كبيرة من الشباب لديها ثروة هائلة لا يُماثلها أي شيء آخر، وإن لم تعمل على الاستثمار فيهم "كأولوية مُطلقة" فهذا يعني أن نهايتها ليست ببعيدة.
 

ما يجب القيام به هو إعادة هيكلة منظومة التعليم بشكل كامل، بحيث تتبع العملية التعليمية لكُل المراحل "رؤية مركزية" تُنظم كُل الجهود.

ولأن الأفراد هُم مُنتجات بيئاتهم، فالعدد بمُفرده لا يُمثل أي شيء إن كانت الجودة سيئة. لهذا السبب، ومن أجل تحسين جودة الأفراد، لابد أن يكون الاستثمار الرئيسي في التعليم، وأقصد بالتعليم هُنا كُل شيء يرتبط بالكلمة، كُل شيء.
 

ما لم يكن التعليم هو النواة التي يدور حولها كُل شيء في الدولة، لا تحدثني عن شباب ولا عن تقدم ولا عن أي شيء آخر. الجهود الأهلية لا يُمكنها استبدال دور الدولة في هذه الحالة؛ هي فقط تعمل على نطاق الأفراد -وهو في حد ذاته إنجاز كبير- ولكن إن كُنا نتحدث عن تغيير جذري على مُستوى الدولة للانتقال من وضع مُزري ولمنع كارثة مُقبلة، عندها لابُد أن يكُون العمل على مُستوى الدولة.

 

أول ما يجب القيام به هو إعادة هيكلة منظومة التعليم بشكل كامل، بحيث تتبع العملية التعليمية لكُل المراحل "رؤية مركزية" تُنظم كُل الجهود للوصول لأهداف مُحددة وواضحة مُتكاملة. لا يجب أن يتم تفتيت منظومة التعليم على عدة جهات لكُل منها رؤية تختلف تمامُا عن الأخرى (بفرض أن لديها رؤية أصلًا)، بل يجب أن تتولاها جهة واحدة مركزية.

 

اليابان على سبيل المثال هي إحدى الدول التي تقوم بفعل هذا الأمر بشكل حرفي؛ حيث أن هُناك وزارة واحدة تقوم بعمل يتم تفتيته في العادة على أربعة وزارات، وتسمى "وزارة التعليم، الثقافة، الرياضة، العلوم والتكنولوجيا." هذا النوع من التكامل يسمح بالانتقال من رؤية جُزئية تهتم بتنمية جانب مُعين، إلى رؤية شاملة موحدة تهتم بالتنمية على جميع المُستويات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.