شعار قسم مدونات

الجميلة والوحش.. سباق الرئاسة الأميركي

blogs - Hillary Clinton

من خلال متابعتنا لسياسات أمريكا في العالم، تولد لدينا شعور قوي بأن الديمقراطية الأمريكية موجهة، وأن المحركين للمشهد السياسي فيها  لا يظهرون عادة أمام الرأي العام، وأن "الآلة الإعلامية الضخمة" تدفع للتصويت في اتجاه ما، والمطلوب أن يبدو الأمر طبيعيا وحقيقيا.

وعلى القادة المفكرين أن يفكروا بمعيارين؛ معيار يخص مصلحة أمريكا ونفوذها في العالم واقتصادها ورفاهيتها، ومعيار آخر يُسوّق للرأي العام العالمي: أن أمريكا راعية الديمقراطية والحرية، وأنها تحارب الإرهاب وترعى السلام وتدافع عن قضايا الأقليات في العالم وتطالب بحقوق المرأة.

أمريكا جاءت برئيس من أصل أفريقي لتظهر أمام العالم كحمامة سلام، وجاء الدور لتحكم امرأة أعظم دولة في العالم

وهذا المعيار الأخير يسعون سعيا مضنيا لكي يبقى على السطح دوما، مهما كثرت الانتهاكات الأمريكية هنا وهناك، سيتم تبريرها وتفسيرها لتبدو منطقية.

وفي رأيي أن تصدر كلينتون أمام ترامب للصراع الرئاسي، جزء من نفس الخطة، فكما أن أمريكا جاءت برئيس "ملون"، لتظهر أمام العالم كحمامة سلام، تعطي نموذجا للمساواة ونبذ العنصرية، فجاء الدور على أن تحكم امرأة أعظم دولة في العالم، وهكذا يبدو "السيناريو" الجديد متسقا مع سلسلة الأفلام "الهوليودية" القديمة.

وهناك مصطلح منطقي وأصولي يُسمى "مفهوم المخالفة"، فعندما أقول لك بأن فلان شرير ولص وأحمق، فهذا يفيد بمقتضى مفهوم المخالفة، أن غيره هو خيّر وأمين وعاقل. وهكذا يبلع العالم الطعم، ويصدقون أنفسهم خاصة عند إتقان الحبكة.

فالإعلام الأمريكي يصور ترامب رجلا عنصريا رجعيا، جاء من حزب أدخل أمريكا في حروب ومغامرات عسكرية حمقاء – على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة – كما أنه يبدو كراعي بقر، متغطرس منفر، أما هيلاري فتبدو امرأة جميلة عاقلة خبيرة، تتحدث عن السلام وتنبذ العنصرية بابتسامة رقيقة،  خاصة والشعب الأمريكي متأثر أكثر من غيره بثقافة الصورة.

والمواطن الأمريكي العادي لا يحلم بغزو العالم ولا يعنيه ما يحدث في الكرة الأرضية، ما دام لا يؤثر عليه بصورة مباشرة، فلماذا يترك انتخاب "الجميلة"، وينتخب "وحشا" قد يوقع بلاده في ويلات بحماقته ورعونته.

على العرب أن يفيقوا من أحلام اليقظة التي يرون فيها زعيما أميركيا جديدا ينتصر لقضاياه وحقوقه المسلوبة

وهكذا يا سادة يُدار الأمر- كما أظن – ليبدو أن ثمة ديمقراطية أمريكية تجري الآن، وهيلارى لن تخالف قط أهداف وخطط القادة المفكرين الكبار بأمريكا، ولا تستطيع أن تتعدى الخطوط الحمراء، فكل رؤساء أمريكا على مدار نصف قرن تقريبا لهم نفس الموقف من "إسرائيل"، والاختلاف فقط في "الدبلوماسية"، وطريقة التعبير واللباقة في التظاهر بأن أمريكا ترغب في إرساء العدالة في الشرق الأوسط.

وعلى العرب أن يفيقوا من أحلام اليقظة التي يرون فيها زعيما أمريكيا جديدا ينتصر لقضاياه وحقوقه المسلوبة. ولا أتكهن بمن سيفوز لكني أعتقد أن ترامب وُضع ليزيد من فرص تقبل الناس لهيلاري، وامتعاض الناس من ذلك العنصري الأخرق، يصبّ في صالح الجميلة العاقلة، ولإشعال حماس الجماهير، تلعب "الميديا" لعبة إيهامهم بأن ترامب يقترب من الفوز، ولديه فرص كبيرة، وأن شعبيته تزيد.

 وكلما زاد الخوف من ترامب، كلما صب ذلك في مصلحة هيلاري كلينتون ، وبالتالي مصلحة أمريكا، وعلى شعوب العالم الاستمتاع بالمشاهدة، والتظاهر بأنها لا تعرف نهاية الفيلم، مع أننا ندرك عادة أن النهاية لأي فيلم تكون بانتصار الخير على الشر، والجمال على القبح، والحب على الكراهية، والتسامح على الانتقام.

فهنيئا لكم بفوز "البطلة" التي تثبت لنساء العالم أن أمريكا سيحكمها امرأة كما حكمها رجل من أصول أفريقية، وبالتالي تكون أمريكا راعية الحرية والمساواة، وعلينا أن نقتنع بذلك !!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.