شعار قسم مدونات

تغيير المناهج خطوة مثيرة للجدل

blogs-المناهج الإسلامية
أقدمت كل من "الأردن ومصر والمغرب والجزائر" على خطوة مثيرة للجدل بتغييرها المناهج المدرسية. وبحسب عدة مصادر، فإن الخلفية الأساسية لتلك التغييرات جاءت لمكافحة التطرف في المجتمع.
 

هذا بطبيعة الحال، يستدعي بعض الأسئلة الفورية على نحو: هل نحن بحاجة فعلية إلى تغيير المناهج؟ هل إصلاح نظام التعليم يشمل أيضاً ضرورة حذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة؟ هل حذف صور المحجبات واستبدالها بصور لغير المحجبات يُعد ضرورة لإصلاح نظام التعليم؟ لا شك أن إصلاح نظام التعليم هو ضروري للبلدان كافة، لكن ما علاقة الإصلاح بتغيير المنهاج الديني؟
 

الحجة الرسمية العامة وراء الدافع لتغيير المناهج المدرسية تتلخص بأن أنظمة التعليم الحالية أنتجت الآلاف من الطلاب الضعيفين علمياً، مما يستدعي بالضرورة تغيير المناهج، وأنا هنا أتفق على الشق الأخير من هذه الحجة؛ فلا شك أن هناك خلل في قدرة الطلاب العلمية وفي تحصيلهم الدراسي، لكن هذا الخلل جديد، وليس له أي علاقة بالمنهاج.
 

مطالب قوى الغرب بتغيير المناهج المدرسية لمحاربة التطرف لن تنفع. فالحل الأمثل يكمن أولاً وأخيراً بكف أيديهم عن بلادنا، فلا صانع للإرهاب غيرهم

لقد تراجع المستوى التعليمي للطلاب نتيجة سوء الإدارة، وليس المنهاج. ولنأخذ هنا الأردن مثالاً: فأنا وملايين غيري، جميعنا تعلمنا وتربينا ضمن المنظومة المنهجية نفسها -وإن اختلفت الكتب مع الوقت- والتي خرّجت أجيالاً من العلماء والأدباء والمثقفين، وخرجت أجيالاً من المتسامحين الذين يعرفون دينهم وربهم ونبيهم حق المعرفة في خضم كل الفتن الدينية المتلاحقة.

إذاً، المعضلة الحقيقية ليست بالمناهج، إنها تكمن بوصول ظاهرة "الإسلاموفوبيا" إلى عقول العرب والمسلمين أنفسم. وهذه سابقة خطيرة تخلق حالة عامة من الشك في الدين والخوف منه. أعتقد أننا أصبحنا أمام مشكلة محورية، وهي الاستسلام لهجمات أعداء الإسلام الذين يحاولون الصاق تهمة الإرهاب والتطرف بديننا الحنيف.

وهنا سأقول الكلام المفيد المكرّر: "الإسلام نفسه، وما جاء فيه من تعاليم ربانية، ليس له ذنب إذا أسيء فهمه من قبل بعض معتنقيه أو غير معتنقيه" فعدد المسلمين في العالم يربو على 1.6 مليار، ولا يمثلهم بضعة آلاف من المتطرفين. كما أن سكان الوطن العربي وجلهم من المسلمين عددهم 350 مليوناً، لا يمثلهم بضعة آلاف من المتطرفين كذلك. في الوقت ذاته، فإن جماعة (AOG) المسيحية المتطرفة -على سبيل المثال لا الحصر- لا تمثل مسيحيي العالم. فالتطرف ليس حكراً على الدين الإسلامي وحده.

من أجل مكافحة فعالة للتطرف، أرى ضرورة تكثيف المناهج الدينية في المدارس بدلاً من تقنينها أو تغييرها. فلا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يمكن مواجهة الفكر الظلامي إلا بتقديم الصورة الحقيقية عن الإسلام، والتي تربينا عليها في البيت والمدرسة والجامعة. تحوي تلك الصورة كل القيم الإنسانية السامية التي يدعو إليها الله عز وجل ورسوله الكريم، ومن ضمنها: الحب، السلام، الرحمة، التسامح، العفو، المغفرة، الكرم، الشرف، الصبر، الأمانة، الوفاء، حسن الجوار، وغيرها كثير.
 

دون أدنى شك، التطور ومواكبة العصر في المناهج ضرورة حتمية، لكن لا علاقة لهذا بالدين الذي يصلح لكل زمان ومكان. علينا أن نواجه الحرب الشرسة على الإسلام وعلينا أن نفهم أن مطالب قوى الغرب بتغيير المناهج المدرسية لمحاربة التطرف لن تنفع. فالحل الأمثل يكمن أولاً وأخيراً بكف أيديهم عن بلادنا، فلا صانع للإرهاب غيرهم. وإذا كان هناك أي استشعار لظاهرة التطرف في مجتمعاتنا فإن مكافحتها تكون بتجديد الخطاب الديني، لا بتغييره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.