شعار قسم مدونات

هل ابن الوز عوامٌ فعلاً؟!

blogs - father

مثل شعبي مشهور، يُقال للدلالة على تشابه ما قد يظهر بين الابن وأبيه في مهارات أو صفات وتوجهات معينة بحكم قانون الجينات والوراثة، كالإوز ما إن يظهر من البيض فسيكون إوزاً، وإن تربى مع الدجاج أو غيره من الطيور. ذلك أنه يملك مهارة السباحة بحكم الجينات، فما إن يرمي بنفسه في بحيرة أو بحرا، إلا وجدته يسبح بمهارة. قس على هذا، بقية الصفات والتوجهات والأفكار، لكن هل هذا يقنعك؟
 

في عالم البشر يختلف الأمر نوعاً ما، فالجينات والوراثة لا تتحكم بالأمر كما هو حاصل في عالم الحيوان -أعزكم الله – بسبب تميزنا بالعقل، الذي شرف الله بني آدم به عن مخلوقاته الأخرى. هذا العقل، ما إن ينضج ويهتدي ويعرف ويميز، حتى تجد العوامل الوراثية قد باتت تحت سيطرته بشكل كبير، سواء شاء أن يعززها وينميها، أو يتخلى عنها ولا يلقي لها بالا. الأمثلة من عالم البشر كثيرة إلى الدرجة التي تجعلنا نوقن، بأنه ليس دوماً يكون ابن الوز عواماً في العالم البشري.
 

 قد تجد عالماً فقيهاً بالدين يشار إليه بالبنان، لكن لا أحد من أبنائه سار في درب العلم والفقه، بل ربما وجدتهم فقراء في هذا المجال

خذ نبي الله نوح عليه السلام كأحد الأمثلة، وهو الذي مكث عمراً طويلاً يدعو الناس إلى الإسلام، فما آمن معه إلا قليل. وسيعتقد البعض أن هذا القليل لابد أنهم أهله، بحكم أنه نبي وبيته بيت نبوة ورسالة، فالمنطق أن كل من في هذا البيت بالضرورة سيكونون مسلمين، باعتبار ما يسمعون من أبيهم الرسول النبي ويعرفون منه خبر السماء. لكن يظهر الابن ليخالف الأب، ليس في مسألة أو أكثر، بل خالفه في المعتقد إلى أن مات كافراً وهو ابن نبي.
 

أبوطالب، عم النبي صلى الله عليه وسلم ومن أكثر من دافع عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، إلى آخر رمق في حياته، لكنه مات كافراً ولم يسلم، في حين أن ابنه علياً هو أحد العشرة المبشرين بالجنة! الأب ظل سنوات يسمع من ابن أخيه أحاديث الحق وكان على قناعة بصدق النبي صلى الله عليه سلم، لكن عقله في النهاية هداه إلى تغليب اعتبارات العصبية والقومية على الحق، فمات كافراً، في حين أن علياً الصبي، وبمجرد كلمات قليلة في زمن قصير، هداه عقله إلى الحق والإيمان، فما سار على درب أبيه، وما كان للجينات والوراثة أي أثر ها هنا.

بالمثل قد تجد حولك عالماً فقيهاً بالدين يشار إليه بالبنان، لكن لا أحد من أبنائه سار في درب العلم والفقه، بل ربما وجدتهم فقراء في هذا المجال، وربما أيضاً وجدت أحدهم متذبذباً حتى في أداء صلواته، وهو ابن عالم وفقيه ومن بيت علم ودين.أو قد تجد الأب قمة في العلم الدنيوي، أستاذاً في الفيزياء أو الكيمياء أو غيرها من العلوم الطبيعية، لكن قد تجد ابنه لا علاقة له بتلك المجالات من العلوم لا من قريب أو بعيد، بل ربما وجدته قد تسرب من الإعدادية!

 

الإنسان منا عالم قائم بذاته، وما إن يصل إلى التمييز والإدراك، فلا شيء يمكن أن يؤثر عليه إن هو لم يرغب فيه أو يسعى إليه طواعي

وعلى ذلك يمكنك التأمل في عالم المحترفين والمبدعين في النجارة أو الزخرفة أو الرسم أو غيرها من مجالات الإبداع، لتجد أنه من النادر أن ترى تكراراً في العائلة وبنفس الدقة، في إشارة إلى أن الأمر ليس بتلك الدقة التي في المثل الذي نتحدث عنه.
 

الشاهد من الحديث ومما سبق من بعض الأمثلة البشرية، هو أن الإنسان منا عالم قائم بذاته، وما إن يصل إلى التمييز والإدراك، فلا شيء يمكن أن يؤثر عليه، إن هو لم يرغب فيه أو يسعى إليه طواعية، وعن حب ورغبة وشغف.
 

لا تقل لي وراثة أو جينات أو بيئة محيطة أو غير ذلك. إن الأمر كله كامن في عقل كل واحد منا، حيث هناك تُدار الأمور بدقة متناهية، وقد تكون للعوامل سابقة الذكر بعض التأثير، ولكن من المؤكد ليس كل التأثير، وربما لبعض الوقت ولكن من المؤكد كذلك أنه ليس كل الوقت. فلا يحزن ويغتم أحدكم إن لم يتحقق له ما يتمناه في أبنائه، فإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.