شعار قسم مدونات

جيش غوارديولا

blogs - Pep Guardiola
لا أبدا، ليس بسبب الفوز بالبطولات، فالأرقام لغة يحترمها التاريخ، لكنها لا تعني الكثير لمؤرخي كتب هذه اللعبة. أؤمن تماما بأنها الأفضل، لأنه يهتم بكيفية الوصول إلى الانتصار، ويحاول بناء فلسفة كروية خاصة به، ويهتم بكافة التفاصيل الصغيرة التي لا يلاحظها كثيرون غيره. نتيجة كل ذلك، سأظل مدين بالكثير لبيب، لقد أعادني إلى شبابي، إلى الكرة التي حاربت الجميع لأجلها.
 

يتحدث البوهيمي سيزار لويس مينوتي عن غوارديولا بجانب من الفخر والاعتزاز، هو ابنه بالتبني، يعطيه نصائحه في شتى المجالات بكرم وسخاء شديدين. محظوظ هذا البيب، له ألف أب وأستاذ، من بييلسا إلى كرويف مرورا بلا فولبي ومينوتي وغيرهم، لقد آمن منذ صغره بأن الأفكار متاحة للجميع، ليس لها صاحب معين، لذلك أصر على سرقتها قدر المستطاع.
 

الأفكار ليست حكرا على أحد، إنها للجميع دون استثناء، لذلك أسرق منها في كل وقت، وأعيد ترتيبها ثم تصديرها لفريقي، هكذا يكشف الفيلسوف عن أهم سر صنع تاريخه التدريبي، يتحدث عن التعلم، القراءة، المشاهدة، الرصد، والعمل الجماعي. من دون كل هذه العوامل، كان من المستحيل نجاحه، هذه خلطة النجاح التدريبي في أيامنا الحالية باختصار شديد.
 

"لن أعتزل قبل أن ألعب مع فريقه يدربه خوانما"، قال غوارديولا هذا التصريح قبل انتقاله إلى فريق دورادوس المكسيكي مع ليو لمدة 6 أشهر كلاعب ورفيق وصديق ومساعد تكتيكي له في المباريات. خوانما ليو، المساعد الحالي في إشبيلية، هو مايسترو بيب وأستاذه، ورغم فارق الشهرة الكبيرة بين الثنائي، إلا أن أشهر مدرب في العالم لا يخجل أبدا من مواصلة التعلم منه، ويعترف علانية بأنه يتحدث معه كثيرا حتى الآن، يحصل منه على المشورة الفنية، ويضع خطوط عريضة بعد كل نقاش.
 

مونديال 2006 أكبر حدث استفاد منه بيب، لا يتعلق الأمر بفوز الطليان أو خسارة الديكة، ولكن لأنه وقع في حب طريقة لعب المنتخب المكسيكي من الوهلة الأولى. ريكاردو لا فولبي المدرب وقتها برز فيما يعرف تكتيكيا بعملية "البناء من الخلف"، حينما تريد اللعب بشكل هجومي جيد، ضع دفاعك، وحاول الهروب من ضغط خصمك بعودة لاعب الارتكاز بين قلبي الدفاع، تلك النصيحة التي أدخلها الشاب إلى أوروبا باختراعه الذي عرف فيما بعد بإسم "بوسكيتس".
 

التعلم هو الأساس، مهما حققت من نجاحات وشهرة وخلافه، عليك أن تدرك فورا أن القادم أصعب وأكثر تعقيدا، لذلك يجب الاستعداد له بمواصلة العمل والسعي والبحث دون توقف، وهذا ما يجعل الفارق جليا بين المدربين الكبار والبقية. في بلادنا العربية يأتي المدير الفني وكأنه ساحر، يعرف أكثر من غيره، لا يتحمل النقد ولا يسمع لغيره، حتى مساعديه يتمحور دورهم حول الركض حول الملعب وقيادة تدريبات الجري.
 

مع غوارديولا الوضع مختلف، الكاتالوني ليس وحده لكنه نموذج يحتذى به في هذا السياق، لدرجة أن صحيفة "تايمز" نشرت صورة لها أكثر من مدلول خلال إحدى مباريات السيتي هذا الموسم، بيب وبجواره وخلفه وحوله 16 مساعد، وصفهم المحرر بأنهم "جيش بيب"، حيث أن كل هؤلاء يعملون بجانب المدير الفني، ولا تقل أدوارهم بأي حال عن القائد الرئيسي للفريق.
 

دومينس تورنت وأرتيتا هما ساعدا غوارديولا، الأول يساعده في نواحي التدريب ويضع معه الإطار الأخير للخطة، والآخر يستفيد منه في فهم الأجواء البريطانية، بينما المساعد الثالث لورينزو بونافينتورا يختص بالأمور البدنية وتجهيز اللاعبين الكبار للمباريات. كرة القدم ليست لعبة فنية فقط، ولكنها تتعلق بالجانب الطبي، لذلك يتواجد باستمرار الطبيب ماكس سالا، والخبير ستيفن ليلي، على مقربة من المدير الفني خارج الخط.
 

المدرب الكبير له أكثر من مساعد، ثنائي قريب منه باستمرار، بينما الثنائي الآخر يتولى إعداد اللاعبين وضبط بوصلة التدريبات، باريل وكيد المختصان بهذه الأمور. مع كل هؤلاء، يأتي المسؤولون عن تقليل الإصابات قبل حدوثها، قسم جديد يعمل على توقع غياب كل لاعب، ومحاولة تجهيز النجوم للمشاركة في أكبر عدد ممكن من المباريات، كل هذا يتم عن طريق توقع الإصابة قبل حدوثها، ويعمل في هذا المجال أربعة أسماء في جهاز السيتي، مارك، توم، باري، وتومسون.
 

بالطبع يتواجد أيضا مدرب الحراس، وثنائي لتجهيز قمصان الفريق وملابس التدريب، ليصل العدد إلى 12، قبل أن يزيد إلى الرقم 16 بتواجد معد بدني آخر يعمل مع اللاعبين أثناء الإحماء قبل التغيير، وثنائي يدرس معدلات الأداء خلال المباراة، ونقلها مباشرة إلى المدرب، ومساعد علمي أقرب إلى الطبيب النفسي القريب من الجميع.
 

يعمل كل هؤلاء رفقة المدير الفني، 16 مساعد رقم ليس دقيق 100 %، لأن هناك عدد آخر في الخلف، لا يحضر المباريات بل يقوم بتحليل أداء المنافسين ورصد نقاط قوتهم وضعفهم، بقيادة خبير الكشافين كارليس بلانشارت، الرجل الوحيد الذي يثق فيه بيب بهذا المجال، نتيجة الشك الدائم الذي يعاني منه المدرب، وحاجته إلى متابعة المنافسين عن قرب قبل كل مباراة. يعرف هذا القسم بفريق "السكاوت"، أي ينقل تفاصيل الخصم للمدير الفني قبل المباراة وبعدها، وبالتالي يأتي العمل الجماعي كعنصر رئيسي في نجاح المدربين الكبار، خصوصا مع تطور الكرة وتعقيدها بالسنوات الماضية.
 

لذلك أجد نفسي في وضع صعب حينما أشاهد أحدهم في المؤتمر الصحفي بعد المباراة يقول، "قمت وعملت وفكرت وصنعت ونجحت"، حيث تعلو الأنا فوق الجميع، رغم أن هذه اللعبة خاصة بالجماعة في نهاية المطاف، وحتى وإن أعطت الفرد لفترة ليست بالقليلة، فإنها تعود وتبتسم إلى الثابتين على الأفكار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.