شعار قسم مدونات

فتيات الإنستغرام (2) نور تاجوري ومجلة بلاي بوي!

blogs- الحجاب
عندما كتبت مقالتي السابقة المعنونة بفتيات الانستغرام.. عرفت أن بعض القراء فهموها بأنها تدور حول (الحجاب الصحيح وشروطه)، إضافة الى من فهمها بأنها اعتراض على (الحجاب الحديث)، وفي الحقيقة إنني لم أعد معنية بهذا النقاش أبداً لسبب بسيط إنني لم أعد أطيق الخوض فيما يتم تكرار الحديث فيه بدون فائدة.
 

وقد صرنا اليوم نشهد التناقضات والعجائب تلو الأخرى، ولم يعد الحجاب نائياً عن هذه التناقضات، كما أنه لم يعد أحد يستطيع أن يكون وصياً على أحد في أسلوب حياته ولباسه وأكله وشربه، وصارت الفتيات والفتيان أيضاُ يرتدون كل ما يحلو لهن تحت مباركة من حولهن من أقارب ونحوهم.
 

كيف لفتاة مسلمة ومحجبة المفروض أنها تمثل الاحتشام وترتدي غطاء الرأس أن تظهر في مجلة معروفة منذ نشأتها في الستينات بأنها "مجلة إباحية"؟! 

إذن لنكن من جديد "متفاهمين" و"متفقين" أن ما قصدتُه من مقالتي السابقة هو: الحديث حول ظاهرة استخدام الحجاب كموضة عجيبة بصرعات غريبة بهدف "التسويق" المبتذل للحجاب و"التخبيص" غير المعقول شبه اليوميّ من قبل فتيات اعتبرن أنفسهن سفيرات للمحجبات وعارضات للأزياء ولكن "بحجاب" وذلك على تطبيق الانستغرام الذي يستخدمه الملايين حول العالم وأني لأرجو منكم قراءة المقالة مرة أخرى لمحاولة استيعاب ما قصدته. هل اتفقنا؟
 

نور تاغوري في مجلة Playboy
حسناً، قبل أيام قرأت خبراً عن فتاة تدعى "نور تاجوري" وهي أمريكية من أصول ليبية وتعمل في تلفزيون أمريكي وتعتبر نفسها أول محجبة تظهر على شاشة أمريكية، وهي ناشطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة موقعي تويتر وانستغرام حيث تنشر صورها ونشاطاتها بشكل مستمر ومتواصل، ونور أمريكية النشأة والتربية أي أن من يراها يدرك من الوهلة الأولى بأن ثقافتها العربية لا تتعدى معرفتها لمعنى اسمها وربما بضع كلمات عربية أخرى… ما يفسر كثيراً من تصرفاتها وطريقة تقديمها لنفسها عبر هذه الوسائل الإعلامية؛ فهي أمريكية الثقافة والتوجه وأسلوب الحياة بالعموم.

ويقول الخبر "فتاة محجبة تظهر لأول مرة في لقاء عبر المجلة الأمريكية الشهيرة بلاي بوي" ولو أخذنا الخبر بعنوانه فقط فهو صدمة وربما صفعة على وجوه مسلمي الولايات المتحدة الأمريكية والذي تعتبر نور نفسها تمثل فتياته وتعرّف نفسها بكونها مسلمة محجبة، فكيف تظهر في مجلة معروفة منذ نشأتها في الستينات بأنها "مجلة إباحية" تعرض صور النساء شبه عاريات بابتذال يصفه كل ناشطو حريات المرأة بأنه إهانة للمرأة ولتاريخ نضالها ضد استخدام جسدها بإذلال دون عقلها؟.
 

لقد أثار الخبر سخط كثير من مسلمي أمريكا، وبعضهم من متابعيها، كما كُتبت مقالات ضد قرار نور بالظهور على صفحات مجلة بلاي بوي رغم أنها بحجابها بالطبع، لكن الاعتراض جاء على قبولها من الأصل الظهور فيها وهي مسلمة ومحجبة والمفروض أنها تمثل الاحتشام وترتدي غطاء الرأس حتى تسائل كاتب يدعى نشأت اسماعيل في صحيفة الإندبندنت بما مُجمله: هل علينا أن ننحط الى هذا المستوى كي نثبت أن المسلمات مؤثرات وذوات قوة؟".
 

ورغم أن تاجوري ما تزال تدافع عن نفسها حتى الآن وعن قرارها وفرحتها بلقاءها في المجلة على تويتر وانستاغرام حيث هناك عدد لا بأس به من المؤيدين والداعمين من الذين وجدوا اللقاء رائعاً ويساند فكرة محاربة ظاهرة الإسلاموفوبيا في أمريكا، إلا أن هناك من قال بأن على المسلمين التجاوز عن هذا الأمر لأن هناك ما هو أهم من نور تاجوري.
 

ما المشكلة؟
في الواقع إنني كنت قد تابعت نور تاجوري عندما بدأت بمتابعة مجموعة من الفتيات الأمريكيات المسلمات الأخريات عبر حساباتهن على انستغرام، وبعد متابعة حسابها لفترة من الزمن كانت من أول من ألغيت متابعتي لها دون أي تردد، فالكمّ الهائل من الـ"أنا" وعرضها لصورها بصورة فجة متكررة أثار صدقاً استفزازي لدرجة لم أطق الاستمرار في مشاهدتها ومتابعتها.
 

نور تتصرف كأمريكية ولكن "بغطاء على الرأس"، تقفز هنا وهناك وتظهر بالجينز الضيق وشعرها يظهر من جبينها وتضع المكياج الذي يجعلها تبدو جميلة طوال الوقت، ورغم أن عمرها لا يزيد على 22 عاماً إلا أن لديها جرأة كبيرة واضحة في صورها وفي تصرفاتها مع زملائها في العمل من الرجال وفي حركات وجهها إذا ما سجلت فيديو سريع لمتابعيها الشغوفين هياماُ بها.
 

وأثارت نور من قبل جدلاً بين أوساط الشباب المسلم في أمريكا عندما شاركت في تصوير فيديو يظهر محجبات أمريكيات يعرضن أنفسهن بذات الأسلوب ويتقافزن في الشوارع عارضات لملابسهن الضيقة ذات الموضات الصارخة، كما أثارت الجدل غير ذات مرة عندما نشرت صورة لها وهي تقف ملتصقة بمذيع أمريكي بهدف التصوير، ما أثار تساؤلات حول ما هي الحدود التي ينبغي أن تضعها الفتاة المسلمة لنفسها في المجتمع الأمريكي.
 

هؤلاء الفتيات بدأن يؤثرن تأثيراً واضحا على الأجيال الجديدة التي صارت تجد في كل ما يفعلنه مثالاً وقدوة لهن في الحياة

في لقائها بمجلة بلاي بوي تتحدث نور عن حجابها وحياتها كمسلمة في أمريكا، وعن الإسلاموفوبيا ونظرة الناس من حولها لها ولطريقة لباسها وغطاء رأسها، ويعتبر اللقاء طبيعياً ضمن إطار اللقاءات الصحفيية الاعتيادية الجيدة.

لكن ما أثار الجدل هو رضاها من الأصل الظهور في هذه المجلة المعروفة التوجهات، واعتراض الغالبية بـ"كيف تقبل على نفسها الظهور الى جانب صور فتيات شبه عاريات في المجلة" وإن كانت المجلة قد خففت من توجهها الإباحي، لكنها تظل مجلة "الجنس" الأولى في أمريكا منذ الأزل.
 

هذا ما كنت قد تحدثت عنه في مقالتي السابقة، فهؤلاء الفتيات الناشطات عبر انستغرام وسناب شات وغيره، وهن يقبلن كثيراً من المظاهر الخارجة عن إطار المألوف في حياة الفتاة التي يفترض أنها تمثل الإسلام بكل ظواهره، والشيء غير المألوف أنهن أصبحن مؤثرات على آراء شريحة كبيرة من المراهقات المسلمات في العالم ممن يتابعوهن.
 

ولا تكمن المشكلة في المتابعة فقط، فهؤلاء الفتيات بدأن يؤثرن تأثيراً واضحا على الأجيال الجديدة التي صارت تجد في كل ما يفعلنه مثالاً وقدوة لهن في الحياة، وقد تأتي سنوات مقبلة نرى فيها التاثير الحقيقي الذي بدأ يثير قلقنا مثمثلاً في فتيات انستغراميات عقولهن فارغة إلا من أحدث صرعات وموضات الملابس وأجدد لفات الحجابات وألوانها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.