شعار قسم مدونات

لماذا لا تبتسمون؟!

bologs - مذيع
لماذا لا تبتسمون؟! سؤال أكاد أجزم أنه لم يترك مذيع نشرة أخبار إلا وقفز في وجهه وأكاد أجزم أنه السؤال الأكثر… "إزعاجا" على الإطلاق! ربما أنهم يشاهدون التلفاز بلا صوت!

ولكنه بالتأكيد يعرض صورة فإن كنت لا تسمع فأنت بالضرورة ترى ما نقدمه أم أن تبلّد المشاعر وصل درجة الاستمتاع بإعداد الضحايا التي نحصيها وبالمعاناة التي ننقلها وبالسياسات المخزية والمواقف الأخزى التي نتناولها.

كمذيعين، أمامنا خياران على الهواء إما نقصي مشاعرنا ونكمل رسالتنا بمهنية أو نقصي المهنية ومعها الرسالة لنعيش تلك المشاعر.

أليس الأجدر أن نُسأل كيف لا نبكي؟!
إن كنت ترى حدة في أعيننا فقد تكون تستبسل لمنع الدمع أن ينهمر، وإن كنت تسمع قرار أصواتنا فقد تكون تتحايل على العبرة.. نكاد ننفجر بصرخة مدوية بعد كل خبر من كم المشاعر التي تعترينا ألم وحزن وخوف وغضب.

وتخيل أن تكون على موعد مع هذه المشاعر على رأس كل ساعة..
مع كل خبر وفي كل نشرة يجب أن لانبكي أن لا نصرخ حتى وإن أحصينا مئات القتلى وآلاف الجرحى وملايين المكلومين حتى وإن كانوا مدنيين حتى وإن كانوا أطفالا حتى وإن شاهدناهم جثثا مروعة أو أحياء على حافة الموت حتى وإن عذبوا حتى وإن حرموا حتى وإن سمعنا نحيبهم حتى وإن ناشدونا عبر الكاميرات حتى وإن خرج مسؤول ينفي مسؤوليته عن ما حدث لهم وآخر يتنصل وثالث يبيع كلاما حتى وإن اتهموا بأنهم إرهابيون ولو كانوا عزل.

مهما حدث ومهما رأينا ومهما قرأنا ومهما حاورنا يجب أن نتمالك أعصابنا ونحفظ دموعنا في محبسها فدائما سنكون هناك على ذلك الكرسي مكتفين بضوابط المهنة وحيدين وجها لوجه مع هذه المشاعر نخوض القتال الشرس في معركة الإقصاء أمامنا خياران على الهواء إما نقصي مشاعرنا ونكمل رسالتنا بمهنية أو نقصي المهنية ومعها الرسالة لنعيش تلك المشاعر.

رجاء تذكروا أننا نجيد الابتسام ولكننا لسنا مصابين بالعَتَه لنرسمه في حضرة الحزن بسذاجة، ولا تسألونا لماذا لا تبتسمون؟!

بالتأكيد لابد من جولة خاسرة في يوم ما..ولكننا ندرك أن كل جولة قادمة قد تكون أقسى وأنه لا مجال لتكرار الخسارة.

كل ما نستطيعه هو أن نحمل معنا هذه المشاعر في طريق عودتنا للبيت لنختلي بها بعيدا عن أي عدسات حتى تلك في أعين أحبتنا فقط وسادتنا تشهد تلك اللحظة التي نستسلم فيها لتلك المشاعر عندها إما تلقي لنا السلم أو تغور عميقا وتربض في داخلنا لتتربص بنا لحظة ضعف ومرة تلو أخرى تحشد جيشا قاتلا سينقض ليضرب ضربته ذات يوم في صميم القلب.

فاعذروا شيئا من العبوس ونظرة حزينة أفلتت من رقابتنا.. وحين نستطيع الابتسام كما يحدث عندما يباغتنا خبر يخلو من الدم والدمار فننتزع تلك الابتسامة من براثن الوجع، ونرى أملا عبر خبر يتيم ووحيد يأتي خجِلا حاملا فرحا بين طوابير الأسى، أو نستطيع الابتسام ونحن نستقبلكم على الرغم من أننا ندرك أن مابين أيدينا أوراق نعي الإنسانية ونودعكم أيضا مبتسمين في أمان الله وإلى اللقاء في غد أفضل لأنه لابد أن يستمر الأمل.. حينها رجاء تذكروا أننا نجيد الابتسام ولكننا لسنا مصابين بالعَتَه لنرسمه في حضرة الحزن بسذاجة، ولا تسألونا لماذا لا تبتسمون؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.