الشعب الذي يرى في مشهد أطلال وطنه المحترق تسلية مضحكة، يستحق الذل والمهانة الذَين استساغهما حتى لا يدفع ثمن التحرر واستعادة كرامته. |
فالشباب المتواصلين من خلال هذه المنصات هم المنوط بهم – كما هو مفترض – تغيير النظام، فأصوات المعارضة لا تكاد تسمع في وسائل إعلامية مصرية أخرى، الوسائط الاجتماعية ولكن النظام المفترض إسقاطه تحول إلى وسيلة ترفيه تساعد على تجاوز إحباطات الواقع الأليم.. ولا يدري المرء كيف يجتمع الغضب من النظام وتناقضاته وفساده ومظالمه مع الضحك من مظاهر الظلم والفساد والتناقض؟
ومع سعي القوات المسلحة المصرية إلى الهيمنة على مقدرات الوطن ومجالاته الاقتصادية المختلفة، وتزايد وتيرة بسط السيطرة تلك بشكل فج في الآونة الأخيرة، دخلت على خط السخرية المكثفة بشكل غير مسبوق في تاريخ هذه المؤسسة.
تتم عملية الهيمنة على الاقتصاد هذه بدعم مباشر من السيسي، ربما لتعزيز ولاء المؤسسة الحاسم موقفها في تحديد من يحكم مصر حفاظا على المكاسب الهائلة التي تحققها من عملياتها التجارية والصناعية المختلفة. ومن البديهي أن أثر هذا الدور العسكري على قطاع الاستثمار سواء المحلي أو الدولي مدمر ويمثل خطورة فعلية على مستقبل مصر الذي أضحى مبهماً، ولكن لسبب ما تثير هذه المشكلة الخطيرة السخرية في أوساط الشباب عوضا ًعن القلق والغضب.
يجادل البعض بأن هذه السخرية ضرورة لأنها تحقق الاغتيال المعنوي الذي هو أول مراحل إسقاط الطغاة بإزالة القدسية عنه التي تمنحه مكانة خاصة عند الناس.
صحيح أن عبد الفتاح السيسي تمتع بشعبية كبيرة مع قيامه بالإطاحة بمحمد مرسي نتيجة لموجة الكراهية العالية للإسلاميين التي كانت غامرة في ذلك الوقت، لكن جوهر قوته لا ينبع من هذه الشعبية، وإنما من القوة المادية المتمثلة في الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة فماذا يجدي الاغتيال المعنوي مع قوى مادية قاتلة؟ ثم إن كانت هذه السخرية مزعجة لهم بهذه الطريقة فلما يسمحون لمديري كبرى صفحات " الكوميكس" بالمواصلة؟ صفحة " أساحبي " وأعضاؤها بالملايين والقائمين عليها معروفين وظهروا في وسائل الإعلام من قبل..
هذه الصفحة تسخر من السيسي شخصياً سخرية حادة، ومع ذلك لم نسمع باعتقال أي من القائمين عليها حتى الآن.. يبدو أن السيسي لا يخشى أن يتم اغتياله معنوياً.
كما أنها تنفس بانتظام الغضب المتراكم من الإجراءات المؤلمة على كل الأصعدة الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية، فلا تعطي للغضب فرصة للتحول إلى انفجار ثوري. إن ما يفعله النظام بنا كفيل بإشعال ثورات بل وحروب أهلية في بلاد أخرى حيث تجاوز الإجرام كل الحدود بقتل أفراد الشرطة للمواطنين بدم بارد في الطرقات دونما سبب، ولكن هذه الجريمة البشعة أصبحت مثارا للسخرية هي أيضاً.. إلى هذا الحد وصل العبث.
متى يدرك شباب الثورة أن ادّعاء مناهضة النظام مع تخفيف وطأة إجرامه بالسخرية، يُعد خيانة للثورة. |
وبين أنات الثكالى وضحكات الساخرين، تضيع الثورة ويتمدد الباطل الجاثم فوق المقتول. وتحت أنوف الشباب الغافلين اللغارقين في المنافسة على اجتراح النكات يتسرب الوطن قطعة قطعة إلى الثقب الأسود العسكري حيث يبدأ رحلة اللاعودة.
شعب عجيب ذلك الذي يرى في مشهد أطلال وطنه المحترق تسلية مضحكة، ولكنه شعب مستحق للذل والمهانة الذين استساغهما حتى لا يدفع ثمن التحرر واستعادة كرامته وحريته ومقدراته التي تغتصب يوميا.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.