شعار قسم مدونات

ماذا تفعل أوراق البحث في مدونات الجزيرة؟

blogs - write

كان للداعي شرف أن يكون من مجموعة صغيرة رافقت بداية التدوين الإلكتروني عربياً عام 2004، وأطلقتُ مدونتي المستقلة بنطاق خاص عام 2005، بعد مدونة أنشأتها على منصة تدوين مجانية في العام السابق عليه، وشرفتُ بمساعدة عشرات المدونين لتكوين مدوناتهم الخاصة.

وأفهم بعد هذه التجربة، أن التدوينة هي النص الأكثر بساطة لأي معنى يريد صاحب القلم إيصاله لجمهوره، بتجاوز لأنواع البلاغات والمجازات والتشابيه اللغوية، وإهمال لكافة قواعد الكتابة المنمقة وشكلياتها، وبتركيز على المباشرة والذاتية، إنها التعبير البسيط الغير معقد والغير بليغ لأي معنى مراد قوله. 
 

المدونة مكان مفضل لسرد أحاديث النفس وشكوى الذات، تتجاوز فيها المقدمات والاستهلالات

عرفنا المدونة كمنصة لمن زهدت بهم منصات الرأي والبحث والفكر، وهي الصحيفة الذاتية لربة المنزل وطالب الجامعة وصاحب المهنة، إنها الجريدة التي يُنشأها يحررها ويصدرها الإنسان العادي بعيداً عن كل سطوة وسلطة وانتظار.

وهي مكان مفضل لسرد أحاديث النفس وشكوى الذات، تتجاوز فيها المقدمات والاستهلالات، فالمدوّن أول ما يبدأ رحلته هو شخص لم يحترف بعد أدوات اللغة ولا يجدها طيعة تحت أفكاره.

في عشرات الحالات في بدايتي، شرعتُ بطباعة تدوينتي وليس في ذهني عنها إلا طرف الفكرة، أكتب وأمحو، أكتب وأمحو، أقدم فقرة وأرجع أخرى، يحدث كل ذلك في صندوق إضافة التدوينة في برنامج إدارة المحتوى "وورد بريس" مباشرة، ثم اضغط "نشر"، وأترقب ردات الفعل بعد أن أدشن حملة تسويق لها، عادة ما يأخذ ذلك ساعة من الوقت، أقل أو أكثر قليلاً.

وهي مساحة رأي لا رقيب عليها سوى ما يؤمن به صاحبها، هناك أُقيل حارس البوابة، وأهين حراس الكراسي والسلاطين، وأذكر – على ذكر هؤلاء الآخرين – إنه عندما اعتقلت بداية الثورة من قبل نظام الطاغية بشار، سألني رئيس التحقيق في فرع فلسطين العسكري مندهشاً، أثناء التحقيق معي وكان يقلب صفحات مدونتي بعد أن طبعها على ورقات أمامه: "أنت متأكد أنو نحنا ما استضفناك عنّا ولا مرة من قبل"، صدمته فكرة أن مدوّناً أمكنه تخطي رقابة جهازه الأمني وإخفاء هويته الشخصية وتأمين اتصاله لنحو ست سنوات.

ويحب المدوّن أن يشارك في صياغة كل تفاصيل مدونته: تصميمها، أين توضع الصور، يضع روابط إضافية لمدونات صديقة، يضمن تدويناته وسائط متنوعة، يهتم بالـ SEO ليجذب عناكيب محركات البحث إلى مدونته، ويضيف الوسوم والتصنيفات، ويطوّر مداركه التقنية ليتحكم أكثر بمدونته وتفاصيلها.

والآن، مضى الشهر الأول على إطلاق مدونات الجزيرة، غنيّاً حقاً بأسماء من كتبو، وعناوين ما كُتب، قرأنا فيها مقالات لعدد من أساطين أعمدة الرأي العرب، وأوراقاً بحثية نجت بأعجوبة من التكوّم في رفوف مراكز الدراسات حيث يغلب أن الغبار كان بانتظارها، فضلاً عن تدوينات كانت هي الأجمل لمدونين شباب، جدداً وقدامى، أحدث بعضها جدلاً واسعاً في أوساط المهتمين بموضوعاتها، بالإضافة للنقاش الذي برز في تدوينات ترد على أخرى في تفاعل جميل.

وهنا، لمحنا ظاهرة فريدة أمكن للجزيرة أن تضيفها إلى منصتها الجديدة؛ مساحة مفتوحة تلتقي فيها كتابات الكتاب البارزين والباحثين الأكاديميين، مع مدونين هواة ومحترفين، ويُطلق على كل ذلك بما فيها الأبحاث ومقالات الرأي اسم "تدوينات"، لتتناسب والمنصّة التي تنشر فيها. 

والحقّ، أنه أدهشني وجود أولائك الكتاب والبحثة البارزين، في "مدونات" الجزيرة، بدلاً من مكانهم الطبيعي في زاوية مقالات الرأي في موقعها أو مركزها للدراسات، وبطريقة ما، شعرتُ بانتصارٍ لا يد لي فيه، انتصار وسيلة العامة على وسيلة النخبة! 
 

من المبكر الحكم على أنها خيار صحيح، لا سيّما وأن الباحثين نشروا أبحاثاً، وأصحاب الزوايا كتبوا مقالات رأي، لا "تدوينات" بالمعنى الشائع لكلمة تدوينة.

هيّنٌ على الجزيرة – وهي صاحبة الـ"Brand" الأشهر عربياً وأحد أشهرها عالمياً- أن تخطف من أعمدة الجرائد الكبيرة أبرز روادها، ومن المراكز البحثية قليلة الضجيج أمهر باحثيها، لتستكتبهم "تدوينات" في منصتها الجديدة، لكن الصعوبة تكمن، وما أعتقد أن يجدر بالجزيرة أن تضطلع به، هو خلق جيل من المدونين الذين ينطلقون من منصتها في رحلتهم الكتابيّة، وتصنع "أساطيناً" جدداً لهم إضافتهم في المحتوى الإبداعي العربي المكتوب.

ومع الإقرار بسبق مدونات الجزيرة بهذا الإدماج بين الشعبي والنخبوي، وهو ما لم نره في منصات التدوين الجماعي الأخرى البارزة عربياً، فإنه ربما من المبكر الحكم على أنها خيار صحيح، لا سيّما وأن الباحثين نشروا أبحاثاً، وأصحاب الزوايا كتبوا مقالات رأي، لا "تدوينات" بالمعنى الشائع لكلمة تدوينة.

هذا على صعيد المضمون، أما الشكل؛ فقد منحتنا الجزيرة منصة لا مكان لذاتيتنا فيها، ولا لبصمتنا وروحنا، لا يمكننا هنا ترتيب المدونة وتكييفها، حتى إنّ برنامج إدارة المحتوى لا يتضمن محرراً يمكن الاعتماد عليه كما يحب ويعتاد المدونون، لا يمكنك أن تبدأ بالكتابة فيه وتنتهي فيه، ولا خياراً للاحتفاظ بمسودة. 

وعندما تنشر تدوينتي هذه مساء الجمعة، ستكون مساء السبت في خبر كان، بعد أن غيبتها تدوينات اليوم الجديد، حيث لا تسعف الواجهة في إظهار التدوينات القديمة وإعادتها من الظل، حتى لو بقائمة الأرشيف الشهري على يسار الموقع. 

لا تبتئسوا، كان ذلك شهرنا الأول، الأيام حبلى والجزيرة خلّاقة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.