شعار قسم مدونات

من الشعب إلى العمالقة

blogs - cer
علّمونا منذ الصغر أنّ النجاح في الدراسة مفتاح مستقبل الواحد منّا، لهذا ستحاول جاهدا أنْ تنجح وتتفوّق حتى يسقط ذلك المفتاح بين يديك فتفتح باب مستقبلك. لكن الأمر ليس بهذه السهولة والبساطة عندما تجد أنّ الواقفين وراء هذه الأبواب.. لا يعترفون بمفتاحك ولا بجهد السنوات التي سخرتها في الحصول عليه. وقتذاك لن تجد سندا لك غير حائط رحيم على رصيف الشارع.
الأمر ليس غريبا أبدا في دولة غدا شعارها "من المعارف وإلى المعارف" بعد أنْ كان "من الشعب وإلى الشعب".. ذلك أنّ شهادتك لن تشفع لك عند أصحاب الكراسي في الادارات الحكومية.. ما دامت لن تفيدهم بشيء. وهنا لا أقصد الفائدة العامة التي تعود على الدولة والشعب من خلال خدماتك التي تقدمها، بل أقصد الفائدة الخاصة لأولئك الذين إنْ فتحوا لك ولغيرك الباب.. ستنغلق أبواب مصالحهم.

ومن المعروف، ومما لا شك فيه أنّ عقلية المحسوبية والمعارف من أبرز أسباب البطالة في الجزائر. فمصلحة القائمين على التوظيف وتوزيع مناصب العمل، أولى من مصلحة الشعب. فتجد نفسك.. كمواطن بسيط من أبناء الشعب.. خارج حساباتهم.. مهما كنت جديرا بمنصب معين. وما عليك إلّا أنْ تكون واحدا من أبناء العمالقة، الذين يدفعون فوق المكاتب أموالهم بدل شهاداتهم، لتحظى بالمنصب المناسب لمستوى شهادتك.. أو يفوقها. وهذا يتوقّف على مدى مكانتك لدى المسؤول.. وعلى ما ستقدمه من فائدة له.

هذا الأمر ليس وليد اليوم قط.. لكن تفاقم في الآونة الأخيرة.. لدرجة أنّه غدا صراع علي بابا مع الأربعين حرامي.. لكن لم يعد العدد أربعون، فقد تكاثر حتى بات خارج دوائر الحصر.. لقد تطوّروا كثيرا حيث أنّهم تنازلوا عن الأحصنة واستبدلوها بكراس ثابتة كما ثبوتهم المغناطيسي عليها. وحملوا بأيديهم، بدل الخناجر والسيوف، حقائب جلدية فاخرة. و"علي بابا" يتفرّجُ من بعيد.. دون أنْ يأخذ حقّه من مجمل ما يأخذونه بغير حق.. فكلمة السر أصبحت أرقاما تُدفع فوق الطاولة أو تحتها.. لا فرق، وكهف الكنز أصبح حسابات بنكية.. يملؤها العمالقة وأبناءهم للحصول على وظيفة هي من حقك وحق غيرك ممن اجتهد ليبلغها.
ما عليك إلّا أنْ تكون واحداً من أبناء العمالقة، الذين يدفعون فوق المكاتب أموالهم بدل شهاداتهم، لتحظى بالمنصب المناسب لمستوى شهادتك، أو يفوقها.
هنا توقفت تطورات القصة الجديدة دون أنْ تنتهي، لأنّها نتاج واقع لا يزال مستمرا.. وأنت ستسند ظهرك على حائط مشوّه بصور دعايات الانتخابات لمختلف الأحزاب والمناصب في الحكومة.. تمارس دورك المعدُّ لك منذ البداية.. في ظلّ حكمهم.
لهذا علينا ألّا نستغرب عندما نجد فسادا متفشيا في مختلف قطاعات الحكومة، وسنستنتج بدون أدنى جهد أنّ السبب الرئيسي وراء هذا، هو وجود موظفين في مناصب ليست لهم.. وفقط لأنّهم من أبناء العملاق فلان وعلان استحقوها. وبالتالي مصالح الدولة التي هي بالشعب وله، ستكون على المحك.. فلا الدولة تستفيد.. ولا الشعب أيضا.. ويبقى المواطن البسيط هو الضحية في كل الحالات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.