شعار قسم مدونات

حجابي ليسَ سرَّ سعادَتي!

BLOGS حجاب

كنتُ وقتَها ألعب من أقاربي في جَمعةٍ عائلية، عِندما قالت إحدى قريباتي الملتزمات لوالدتي "ما الذي تفعله هبة للآن بدون حجاب؟!" ولأكون موضوعية في ذكر الحقائق العلمية فأنا لا أذكرُ تمامًا كم كانَ عمري وقتها إلَّا أنَّني كنتُ لا أزالُ أضعُ كرسيًا صغيرًا لأصلَ للمغسلة، وما أذكره حقًا، أنَّني خضتُ شجارًا طويلًا مع والديَّ كي لا أرتدي الحجاب، بدأتهُ بأنَّ الله قال في كتابه "لا إكراه في الدِّين"، وانتهى بأن لبستُ منديلًا أخضرًا بدبوسٍ كبير من عند الرقبة يشبهُ كثيرًا الحجاب التركي في هذهِ الأيام..
 

وأعترف أنَّني كنتُ فتاةً عنيدةً فلا أفعلُ شيئًا بدونِ قناعة، فقد كنتُ أرتديهِ ساعةً في اليوم، وأنزعه ثلاثًا وعشرين، بل وأرتديه بطرقٍ غريبة، أذكر أنَّه ذات يوم أوقفتني فتاة أكبر مني بالمدرسة وسألتني: "ترتدين منديلًا على قميص مكشوف الذراعين" لم أفهم كثيرًا ما قصدته وقتها، لم يقل لي أحد أنَّ تغطية الرأس تتعارض مع كشف الذراعين!
 

يحدثُ كثيرًا أن تكونَ مطفئًا حتى آخرِ خليةٍ في جسدك، ثمَّ تعثرُ على زر التشغيل الخاص بك، في كلمةٍ صادقة، أو آيةٍ جميلة.

وفي الصف السابع كانَ لدينا أستاذ "شيخ" كما يقال، يدرِّسُنا مادة الدين، ووقتها كانت أغلب الطالبات يرتدينَ الحجاب، إلَّا واحدة ابتلاها الله بهذا الأستاذ فكانت كلما أجابت سؤالًا خاطئًا يعلِّقُ عليها الأستاذ: "هذا لأنَّهٌ لا يوجد غلاف جوِّي على رأسك" إشارةً للحجاب، وهكذا كانت محط سخرية الجميع في كل حصةِ دين، ووقتها لم أفهم ما علاقة الحجاب بالذكاء، أو النباهة! ربَّما في ذلك الوقت بدأت أسأل عن حقيقة الإسلام، وعن الله، وعن علماء الدين، وللأمانة فقد خافَ عليَّ والداي من أسئلتي الكثيرة وغير المنطقية، حتَّى توقفتُ عن السؤال!
 

ودخلتُ في بُعدٍ آخر من الحيرة، وعلامات الاستفهام، لم أكن أعرفُ وقتها عن القرآن سوى صوت العجمي الذي يشبعُ المدَّ اللازم بالبكاء في آيات الرحمة والعذاب، ولم أكن أعرف عن الغرب سوى أنَّهم يعانونَ ويلاتِ الكفر والبعد عن الله، بينما العرب في نعمة ورحمةٍ من الله لأنَّهم مسلمين، ولم أكن أعرفُ عن الأديان سوى تلكَ المرأة المسيحية ذات الرداء القصير، والسيجارة المتوهجَّة، التي صادقتُ ابنَتَها في مطار الأردن، وقاسمتني حصَّتها من البسكوت عِندما أكلَ أحد الأولاد حصتي! والتي قيلَ لي فيما بعد أنَّها وأمثالها سيدخلون النَّار، في حين أنَّ معلمتي في الصف الأوَّل التي كذبت علينا ذاتَ يوم وضربتنا، ستدخل الجنة هيَ وأمثالها!
 

وفي مرحلةٍ ما ننتقل من حجابي سر سعادتي، إلى حجابي ليسَ سر سعادتي! ومن الإسلام هوَ الحل إلى ما المقصود بالإسلام! وعن أي حل يتحدثون فيه في وقت تغرق بهِ الدول الإسلامية بالجهل والفساد والقتل، بينما تنعم الدول الكافرة -حسبَ زعمهم- بالعلم والتطور والأمن! وتنتقل من مرحلة أن يكونَ قدوتك الشيخ الفلاني، والداعية الفلاني، إلى الصدمة بتلكَ اللحى الممتدَّة لمنتصف الصدر، والدموع التي تغسل الوجوه كلَّ حلقةٍ على الشاشات!
 

عندَ هذهِ النقطة، تتغيَّرُ علامات الإعراب فنكسرُ المرفوع، ونرفعُ المكسور، وتتغيرُ القناعات، ويصبحُ من السهولة أن نفكَّر بنزع الحجاب، للبحث من جديد عن الله! ومن الأسهل ترك الإسلام، لنبحث عن الدين الحق، لأنَّك عاجزٌ عن الدفاعِ عن دينك، ولأنَّك تسألُ أسئلةً ستقودكَ للإلحاد لأنَّهُ لا توجد عمامةٌ واحدة في كل تلك العمم ستجيبُكَ عنها! ربَّما وقتَها نزعتُ الحجاب من داخلي، فأصبحَ من الخارج لا قيمةَ له، ولا أجرَ عليه!
 

أنا الآن متصالحة جدًا مع الإسلام بكلِّ ما فيهِ لا أخجل من نفسي حينَ أرتدي ثيابًا محتشمة في إحدى المناسبات في الوقت الذي ترتدي فيهِ بقية الفتيات ما "قلَّ ودلَّ" من الثياب.

ولكنَّ جزءًا منِّي ظلَّ متصلًا بالسرِّ الإلهيِّ الجليل فوقَ سبعِ سماوات، وظللتُ مقتنعةً بالحقيقةِ الربَّانيةِ المطلقة في هذا الكون. وفي الصف الثامن قررتُ البدء بحفظ المصحف، بعد عدة جولات فاشلة من المحاولة خلال سنوات عمري السابقة، جعلتني أدفع غرامة "10 شيكل" -وهو ما يعادل 2.5 دولار تقريبًا- عندَ عودَتي للمسجد بعد كلِّ ذلكَ الانقطاع، أخذتَها منِّي المدرِّسة، ورفعتها أمامَ الطالبات في الحلقة وقالت "هذا عقاب هبة لأنها تركت الحفظ، وهو ليسَ إلا عقابًا معنويًا كي لا تترك القرآن ثانيةً" وقررتُ أن لا أتركَ القرآن بعدَها قط، وأتركَ مهمَّةَ الوصولِ إلى الله للوقت، والبحث، والقراءة. 
 

يحدثُ كثيرًا أن تكونَ مطفئًا حتى آخرِ خليةٍ في جسدك، ثمَّ تعثرُ على زر التشغيل الخاص بك، في كلمةٍ صادقة، أو آيةٍ جميلة.
يحدثُ كثيرًا أن تكونَ ملفوفًا بشرنقةِ أسئلَتكَ، حتَّى تجدَ ثقبًا صغيرًا للهواء في كتابٍ أو قصةِ نبي.
يحدثُ كثيرًا أن تكونَ ضائعًا في نفقِ حيرتك، حتَّى تصلَ إلى ضوءِ الله في آخره.

طوال السنوات السابقة لم أتوقف عن القراءة عن الإسلام، والتَّاريخ، والأنبياء، وعن الحياة والإنسان والعلم والحب، وقد رأيتُ اللهَ فيها، وعرفته، وسمعتُ صوتَه ورأيتُ ضوءَه شفافًا أبيضَا، لقد خرجتُ من عتمةِ الشك، إلى ضوءِ اليقين، خرجتُ فراشةً بيضاءَ من غير سوء! ودخلتُ في هذا الدِّين حبًا وقناعةً!
 

وعرفتُ أنَّ حبَّ الله يعرف بطاعته، في أوامرهِ ونواهيهِ فلو أنَّ إحدانا انتسبت إلى معهدٍ راقٍ في أوروبا وفرضَ عليها زيًا ما، لارتدتهُ طاعةً، وطبقتهُ بتفاصيله التي فرضها، ولشعرت بالفخر لو أنَّها سارت في الشارع، وعُرِفَت أنَّها طالبةٌ في هذا المعهد، حتَّى لو كانت الوحيدة التي ترتديهِ وحدها في الشارع، فكيفَ وهيَ تنتمي لمعهد الله سبحانه وتعالى!

أنا الآن متصالحة جدًا مع الإسلام بكلِّ ما فيهِ ولا أخجلُ أن أُسألَ عن أحدِ المغنِّيين فلا أعرفه، ولا أن أُسألَ عن أحد المسلسلات فأقولَ أنَّني لم أتابعه، ولا أخجل من نفسي حينَ أرتدي ثيابًا محتشمة في إحدى المناسبات في الوقت الذي ترتدي فيهِ بقية الفتيات ما "قلَّ ودلَّ" من الثياب، ولا أخجل أن أنسحبَ من منتصف المناسبة كي لا تضيعَ عليَّ احدى الصلوات!
 

لا أقول إنَّني وصلت إلى ذروة فهمي للدين، والإسلام، فأنا أتمسَّكُ بقاربِ النجاةِ من هذا العالم الذي يروحُ فيهِ البشر قرابينًا للموت باسم الدين، أو الحرية، أو الثورة.

كما أنَّني لا أخجل أن أسألَ عن أحد الدعاة فأقولَ أنَّني لا أستمعُ إليه لأنَّني لا أقتنعُ بكلامه، ولا أضعُ تلكَ البوستات التي تنتهي بجملة "إن لم تعلق فاعلم أن الشيطانَ منَعَك"، ولا أنظرُ بازدراء إلى فتاةٍ غير محجبة، أو غير ملتزمة، ولا أصف إنسانًا بقلةِ الدِّين لأنَّه تابعَ مسلسلاً أو استمعَ لأغنيةً ما! ولا أبررُ معاكسة الفتيات والتحرُّش بهنَّ حتى لو كنَّ يرتدينَ ثيابًا غير لائقة!
 

كما لا ألزمُ نفسي أن استمعَ لمحاضرٍة عن العذاب والعقاب، إذا كانَ المحاضر يصرخُ طوالَ المحاضرة، أو يبرر خطأ قائدٍ مسلم بآيةٍ أو حديث في حين كانَ الأولى بهِ أن يقول أنَّه أخطأ، وأنَّهُ لا يعيب الدين أن أخطأ بعض أبنائه فهم بشرٌ في نهاية الأمر! ولا أحبسٌ عقلي في كتب الدين والسيرة والشريعة! في حين يمكنني أن أوزَّعَ تفكيري بينها وبينَ كتب العلم، والشعر والأدب، وأن أخطئَ وأصيب!
 

ولا أقول إنَّني وصلت إلى ذروة فهمي للدين، والإسلام، فأنا أتمسَّكُ بقاربِ النجاةِ من هذا العالم الذي يروحُ فيهِ البشر قرابينًا للموت باسم الدين، أو الحرية، أو الثورة، وبسيوفٍ تُقطعُ فيها الرؤوس بعدَ التكبير، وقنابلًا تركت إمضاءَ الإنسانية على أجسادِ الصغار المشوية.
 

وأنا أواصلُ بحثي وقراءَتي وأرجو من الله أن يعطيَني القوَّة لأتمسَّكَ بدينه، ولألبسَ الحجاب جسدًا وروحًا، وأناقةً وحشمةً وليكونَ ليسَ سرَّ سعادتي فحسب، وإنَّما نوري ودليلي وتأشيرتي للسعادة في الدنيا والآخرة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.