شعار قسم مدونات

حلب تكرار لأحد!

blogs- حلب
قال تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)"البقرة ـ 216″

 

قد يكون سقوط مدينة حلب في أيدي الاوغاد هو فاتحة عظيمة لهذه الثورة المباركة التي استمر كفاحها أكثر من خمس سنوات، كُشفت فيها موازين، وتعرت فيها أنظمة، ومحصت فيها قلوب، ولا تخرج معركة حلب من هذا الإطار، فكلما حدث موقف مهيب في مسار الثورة ترتج بعض الموازين ويكشف الله تعالى للناس بعض الاغطية التي واراها زمنا ليمتحن إيمان الثوار، وإن كان سقوط حلب كما صوره البعض هزيمة، فقد خسر المسلمون من قبل في أحد واستعادوا قوتهم وارتجف صف الكافرين فرجع خائبا خاسرا.
 

قد يكون أكبر أوجه الشبه بين أحد وحلب هو إرادة الله تعالى في أن يرتب المؤمنون صفوفهم ويراجعوا أخطائهم ويوحدوا صفهم ويجمعوا كل الفصائل في لواء واحد ولا يتنازعوا فيفشلوا.

ولذلك نقول ونكرر القول، حلب فاتحة خير بإذن الله تعالى رغم هذه الشدائد، والنصر قريب مهما طال طريقه، فالذي نراه في المجاهدين والثوار السوريين كل يوم هو نموذج لم تتجرع هذه الأمة طعما مثله منذ عهد الصحابة من إيمان وثبات وصبر وجهاد، فهذه الأمة ظلت نائمة في سبات عميق منذ فجر التاريخ الإسلامي وما تشهده اليوم أوطاننا الإسلامية لم نشاهد مثله إلا في مسلسلات التاريخ الإسلامي، فهي نعمة أن نرى نموذجا إيمانيا يواجه عتاد العالم كله بهذا الصمود الأسطوري الواقعي، الذي يتطلع نحو إقامة الحرية والكرامة ودولة القانون الإنسانية كاسحا وراءه كل المآسي والبلايا والمحن.

 

إن الله تعالى جعل سننا في هذا الكون من ضمنها سنة التداول وتكرار الأحداث وإعادة المواقف لاعتبارات يعلمها الله تعالى، وقد يكون أكبر أوجه الشبه بين أحد وحلب هو إرادة الله تعالى في أن يرتب المؤمنون صفوفهم ويراجعوا أخطائهم ويوحدوا صفهم ويجمعوا كل الفصائل في لواء واحد ولا يتنازعوا فيفشلوا وتذهب ريحهم، إن الأخطاء التي حدثت في أحد شبيهة بالتي حدثت في حلب، وصدق الله تعالى  (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) "آل عمران ـ 140".

 

فالله لا يمنح النصر لأمة تطمح له ولأقامه دولة تصان فيها الحقوق بسهولة، وكلما تأخر النصر على المؤمنين فعليهم ترتيب صفوفهم وجمع كلمتهم، ويداول الله الأيام ليزيد المؤمنين صلتهم به، وأن هناك صادقون يريد الله أن يتخذهم عنده في زمرة الشهداء، والله لا يحب الظالمين وبموجبه لن ينصرهم أبدا مهما طال الصراع وكثرت التضحيات، وليس الواجب على الثوار الندب والنوح، بل عليهم دوما الاستمساك بالتوحد وترتيب الصفوف وتصويب الأخطاء والنصر قريب بل حق للمؤمنين عند الله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)"الروم ـ 47″.

 

فهو حق للمؤمنين مأخوذ عاجلا أو آجلا، ولا مكان للطواغيت في أرض الله (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) "النور ـ 55 ".

 

لقد ظلت هذه الشعوب الإسلامية، وفي مقدمتها الشعب السوري، زمناً طويلاً تحت وطأة الاستبداد، وما تشهده المنطقة الآن من صدام عنيف، هو مشهد يريد الله به بإذن الله أن يرسم معالم الطريق لهذه الأمة، وأن يخرجها من نفق الاستبداد، فهو صدام عنيف ذو مشاهد متكررة من العنف والضربات. ولذلك فالمعركة كبيرة جداً وإنه لإجحاف أن نصورها في سوريا فضلاً عن حلب، ولكن لخصوصية النموذج السوري نظراً لموقعه الخطير والمؤثر في العالم طالت معركته وقد تطول أكثر، وهذه الشعوب بعد هذه الصحوة المباركة لن تلتفت إلى الوراء لتحصي تضحياتها، أو لتحسب جماجمها التي سقطت، فكل ذلك بالنسبة لها صغير من أجل غاية عظيمة كالحرية وعبادة الله وحده، والتخلص الذي لا رجعة فيه للاستبداد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.