شعار قسم مدونات

تشييء المرأة

blog 1مرأة

طُرِحت هذه القضيّة منذ الأزل وإلى الأبد ستظل مطروحة كأكثر القضايا المؤرّقة للعقل البشري، فهي ظاهرة سرمديّة غَلب على خصالها صراع ثنائي الاستقطاب: قطب على يمين المرأة له أطروحة راديكالية ذات بعد رجعيّ في تصوّره لإمكانيات المرأة وحدود معرفتها، وقطب على شِمالها له أطروحة راديكاليّة ذات بُعد استئصالي لقِيم وأخلاقيات الحضارات السابقة. فأين نصيب امرأة القرن الحادي والعشرين من هذا الصراع؟؟

لقرونٍ عديدة تسبّب أصحاب عقلية الفتوة وذوي العقول النّصوصية الحروفيّة في تهميش المرأة المسلمة وإلغاء تعددية وجودها في المجتمعات الإسلاميّة لأنّ العقل العربي لم يكن عقلا اجتهاديا مقاصديّا، بل كان عقلا نصوصيّا لا يدور مع جوهر الدّين بل يقف عند الحُروف.
 

التعصّب ضد المرأة تلاشى في المجتمعات الغربية بفضل فلاسفة التنوير الذين أسّسوا أطروحة الدّولة الحداثية التي ألقت بضلال طيّبة على مكانة المرأة في المنظومة الاجتماعية الكونيّة.

وهذا ما أدَّى إلى خلق مجتمعات ذكوريّة اختزلت وُجود المرأة في الطّواعِيّة العمياء لسِيادة الرجل الاستعبادية التي زرعت في ذهن المرأة أنها أعجز من أن تفهم، أعجز من أن تعلم وتستشرف.. طغى هذا الفكر على نمط عيش المسلمين عموما والعرب بصفة أخصّ باسم الإسلام والإسلام براء من هذا التوّجه الإقصائي..

هذا التعصّب تلاشى في المجتمعات الغربية بفضل فلاسفة التنوير الذين أسّسوا أطروحة الدّولة الحداثية التي ألقت بضلال طيّبة على مكانة المرأة في المنظومة الاجتماعية الكونيّة، لكن سرعان ما انحرف هذا الفكر مع قيام عصر ما بعد حداثيّة.. وإذا تحدّثنا على عصر ما بعد حداثيّة ستتجه عقولنا مباشرة إلى الفيلسوف الأكبر لفلسفة الظنّة والأب الروحي لهذا الفكر.. وهو نيتشه..

ومع تفشي سرطان الفكر النيتشوي في المجتمعات الغربية لم نعد نواجه أزمة التشييء القمعي والرجعي للمرأة بل أصبحنا نتحدث عن تشييئ إباحي للمرأة ومنذ خمسينيات القرن الماضي بدء نموذج المرأة الجسد يتسلل إلى بعض المجتمعات العربية في حين عملت الأخرى على الاحتفاظ بنموذج المرأة القاصر.. وإن كان الطرح الأول انغلاقيا قامعا للمرأة فإن الفكر الموازي لا يقل خطورة على الوعي البشري، فهو يختزل الأنوثة في مقومات جسدية من خلال التسويق للغة استهلاكية تجاه المرأة كأن يتم اختصار حرية المرأة في الجسد المباح وكل من يعارض هذا الفكر فهو متطرف خارج عن سياق العصر..
 

وهذا التوجه شائع بالأساس في النُّخب الفنيّة العربيّة خاصّةً في مجال الإنتاج السنيمائي أين يتمُّ الترويج لحريّة المرأة من منطلق جسدي جنسي.. والغريب في سيرورة أحداث تفاقم هاته الأزمة الأخلاقية أن المرأة نفسها اقتنعت بكونها أداة في هذا الصراع ولهذا ذكرت في بداية طرحي للقضية أنها سرمدية الوجود.. لا بداية ولا نهاية لها لأن امرأة العصر تعيش صراع وهمي مع نفسها لا مع سلطة الرجل.. 

والنتيجة خياران متناقضان أمام النساء العربيات.. إما شخصية متزمتة انغلاقيه أو الانسياق وراء نموذج المرأة العاهرة .. ومن تُخالف الأطروحتين الاستهلاكيتين لكينونة المرأة و حقيقة قِيَمها الوجودية ستُجْفى و تُقصى من الظُهور في واجِهة النجاح و التألق الاجتماعي .. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.