شعار قسم مدونات

عن ورود الربيع العربي؟

BLOGS-ثورة

أدت الظروف الاقتصادية المتردية والسياسية الصعبة وتفشي الفساد في البلدان العربية إلى بقائها في مؤخرة دول العالم، كما تسببت في حياة سيئة لمواطنيها ما دفعهم للثورة على حكوماتهم، ولعل خارطة الثورات توضح أن البلدان التي اندلعت فيها الثورات كانت هي البلدان الأكثر فقراً والأقل تنمية.

لا تثور الشعوب عادة لطلب المزيد من الرفاه، لكنها قد تثور لطلب المزيد من الحرية، وعلى كل حال تبرز الدكتاتورية كأحد أهم عوامل البؤس في حياة الناس، وسبباً رئيسياً في قمع الحريات وتفشي الفساد. لا يعني هذا أن الدكتاتورية لا يمكن أن تبني الأوطان، فقد يكون بإمكان الدكتاتور تسخير جبروته وقمعه لصالح بناء وطنه. غير أن الدكتاتور يدرك أن تحسن الحالة الاقتصادية للشعب تقوده لمزيد من التعليم ما يجعله يتطلع فطرياً للحرية..

حين ضاقت الشعوب العربية ذرعاً بالدكتاتورية واستنفدت كل الوسائل المتاحة للحد منها أو تطويعها لم تجد بداً من النفاذ لحريتها من نافذة "بوعزيزي" التي فتحها بحرق جسده لتثور الشعوب طلباً للحرية.

الحرية فطرة فطر عليها البشر وقد يتغافلون عنها حين تتغير الأولويات، ويعمد الدكتاتور بشكل أو بأخر بالتلاعب بأولويات الشعب حتى لا تستقيم مجدداً فتصبح الحرية أولوية ومطلب رئيسي، فيعمد لنشر الفساد عبر تمكين الأقل تعليماً أو أصحاب السوابق في مناصب الدولة، للحيلولة دون وصول النخب المثقفة والكفاءات العلمية لمقاليد الحكم أو الدنو منها. يجهد الدكتاتور في الحفاظ على كرسيه بشتى الوسائل ويعتقد أن كل ما يحسن أوضاع الناس المالية أو العلمية قد يتسبب بسحب البساط من تحته، فينشئ "لوبيات" الفساد التي يُمكنه السيطرة عليها وتمكنه من السيطرة على الشارع. حتى يغدو الفساد ميزة وخرق القوانين هدفاً لا يناله إلا كبار القوم.

حين ضاقت الشعوب العربية ذرعاً بالدكتاتورية واستنفدت كل الوسائل المتاحة للحد منها أو تطويعها لم تجد بداً من النفاذ لحريتها من نافذة "بوعزيزي" التي فتحها بحرق جسده لتثور الشعوب طلباً للحرية. ولعل هذا ما لا يدركه الدكتاتور أن الحرية قد تصبح أولوية ومطلباً ملحاً عندما تصبح أولوية الحفاظ على الحياة مكلفة ومجهدة.

هكذا هي وستبقى أولويات البشر " عيش، حرية، عدالة اجتماعية" قد يتغير الترتيب لظرف ما لكنها تظل هي المطالب الأساسية وحتى في البلدان التي ترفل بالرفاه ورغد العيش مالم يوازي هذا الرغد والمعيشة الميسرة تنامي في العدالة والحرية فإن الحديث عن الاستقرار سيكون نسبياً وسيستمر التوجس ورهاب تحرك الشارع.

حين ثار الشباب العربي كان يبحث بالدرجة الأساسية عن العيش الكريم وليس الحرية! لكن معرفته للفساد وتدني مستوى العدالة جعل الحرية هي الأولوية لتحقيق هذا العيش. فحين يصبح العيش مكلفاً تصبح الحرية مطلباً.. وقد كان عيشهم كذلك. انتشرت أزهار الربيع البنفسجية السلمية فأعجب بها العالم بأسره وأسرت لب البشر فخافت الدول من أن تصلها أو تطالها تطلعات التحرر فعمدت لتغيير ألوان تلك الزهور لتصبح بلون أحمر قاني أو أسود مليء بالدخان والخوف. فسالت الدماء ونشبت المعارك وتصدر خبر الموت والنزوح والتشرد الإعلام ويأس بعض الثوار وتراجع البعض وبقي المتطلعون للحرية يملئون الساحات وجبهات الدفاع عن ثورتهم. وبدل الأقلاب حملت الأسلحة وتداخلت المشاريع وطموحات النفوذ ومصالح الدول.

عمد الغرب الى محاولة السير على حافة الطريق وتحين الفرص لاستعادة نفوذه فيما عمل معسكر الشيوعية لدعم الدكتاتورية وحراستها ومحاولة إبقائها. حاول المعسكر الغربي التعرف على البديل المحتمل لمندوبيهم المخلوعين من عروشهم وإمكانية الاحتفاظ بكل النفوذ الذي يتمتعون به أو بجزء كبير منه. لكن خيارات الشارع العربي كانت حرة تماماً وواعية تماماً وكان البديل القادم من وسط الحشود مقيداً بمطالب هذه الحشود ومتطلعاً لانطلاقة بناء وتنمية منخدعاً بشعارات الحرية والاستقلالية فعمل الجميع على إزاحتهم كما في مصر أو إجبارهم على التنحي كما في تونس أو منع حصول التغيير كما في اليمن وسوريا والعراق وليبيا. 

وبدأ مارثون سباق النفوذ وتقاسم المصالح بين الغرب وفي مقدمتهم أمريكا وبريطانيا وبين الروس. وبرزت طموحات التوسع الفارسي فيما يعيش البيت العربي رهاب الثورات وتشوش الرؤية وغياب المشروع. فتساقطت العواصم العربية في يد المشروع الفارسي وبدأ الخناق يضيق على أمل التحرر منه وتشتت الجهد العربي بناءً على الموقف من الربيع. ليصبح مع وضد لتكون الحكومات العربية بين داعم لمشروع إيران ومحارب له ومتخاذل أو مؤمل على تلاشي المشروعين -مشروع الثورات ومشروع فارس- في الحرب واندثارهما.

وفيما يسوق خصوم الثورات العربية وجهة نظرهم القائمة على أن الثورات مشروع تدخل خارجي تقول الشواهد أنهم من أسلم الثورات للحرب للحفاظ على النفوذ بل وجلبوا التدخل الخارجي.
 

يوجه أعداء الربيع العربي اللوم للثوار في استقدام الاستعمار مجدداً لدولهم يتناسوا تماماً أن الاستعمار هذا جاء لدعم الدكتاتورية التي استنزفوا قواهم في حرب الثورات للحفاظ عليها.

فبينما تحاول أمريكا الحفاظ على نفوذها بدعم الدكتاتورية وإجهاض الثورات وجدت نفسها أماما نفوذ إيراني يصعب تجاوزه فتبنته متنازلة عن حربها لإيران ومتخلية عن حلفائها. وفي ذات السياق عزز الروس دعم حلفائهم بالقوة ومدوهم بالسلاح فلم يجدوا من منفذ لتدخلاتهم سوى المليشيات الإيرانية. فأصبح المشهد معقداً وضاعت أحلام الشباب العربي وأصبح الروس والأمريكان يتفاوضون ويتحاورن حول شؤوننا الداخلية في غيابنا كعرب وأصبحنا على مشارف وعد بلفور جديد وسايس بيكو جديدة على أسس طائفية. 

فيما يوجه أعداء الربيع العربي اللوم للثوار في استقدام الاستعمار مجدداً لدولهم يتناسوا تماماً أن الاستعمار هذا جاء لدعم الدكتاتورية التي استنزفوا قواهم في حرب الثورات للحفاظ عليها. فلو أنهم قبلوا بخيار الشعوب لما اختارت الشعوب سوى الاستقرار والتنمية لكنهم أعملوا فيهم النار والسلاح فتنامى الثأر وزاد الغضب وعسكرت الثورات نتيجة لخذلانها من محيطها العربي بل والتآمر عليها.

وبدلاً من أن يعض العرب أنامل الندم سيكتفون بالقول لقد كنا على حق. وبغض النظر كانوا على حق أم لا فحربهم للثورات أسلمها للسلاح وخذلهم لحاملي السلاح أسلم بلدان عربية للحكم الفارسي. وأخرج العرب تماماً من صناعة القرار في هذه الدول. ومالم يتدارك العرب أخطائهم ويدركون أن من حق هذه الشعوب أن تختار حكامها وأن عليهم فقط أن يدعموا السلام فيها ويساعدوها على النفاذ من دائرة الحرب فإن المستقبل يكاد يكون بئيس جداً ليس على دول الثورات فقط بل على المنطقة بأسرها. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.