شعار قسم مدونات

من يمنحُ حلب دفئاً في الصقيع!

blogs - aleppo

من يمنحُ حلب دفئاً في الصقيع! من ينتشل منها طعنة القدر؟! من يشهدُ معها كل هذه الأوجاع الجسدية! ومن يعجن نفْسَهُ ويفقد هواهُ وهويته فيها! ويخضع ُ لأبشع أنواع التعذيب وأقذر السخريات ويعيش مستقبلاً مهترئاً، هذا إن كان هناك مستقبلا أصلاً! ولا يُحتمل ذاك الألم إلا بقليل من التأمل والأمل رغم أنها ساعات ضيق. وكل ما ذكر سابقاً أضعف وأكثر هشاشة من أن يتحمل إنساننا دمعة واحدة من النصف. 

قد نموت من الداخل وننثر آلامنا، حتى لا نشهد حُمرة قطرة من مقلة المُقرَّبين. فسلامٌ على أرواح حلب الصاعدة المنتحبة المنكسرة البريئة. لو كانت صلاتي مسخرّتاً لأرواحهم الطاهرة، لو كان قلبي مُقارِباً منهم مُبتعداً عني ملتصقاً بهم، وروحي ترعاهم وأضلعي حصناً لهم، لربما كنتُ الآن منشغلاً بما يفيدهم أكثر من إضاعة وقتي بكتابة مقال لأمّة تحولت منذ عقود وللأسف من أمة اقرأ إلى أمة لا تقرأ…!  في الواقع هذا الكلام لن ينفعهم الآن ولن يبدو منطقياً، سيبدو بارداً وسطحياً. يرتعشون فنظنهم أحياءاً وهم أموات، فقطعة قماشٍ مهترئة قد تكون في نظر أحدهم حاليّاً أفضل من كل ما يُكتب فيهم. 

لا تقل يوماً وداعاً واستبدلها بإلى اللقاء، بعد لحظة فراق حلب، فهناك موسيقاها في كل زاوية ومنعطف ومرتفع، وهذه حقيقة ستحتاج إلى سَمْعٍ في القلب مرهف، ستضمك حلب في كل حين من أزقتها وترابها وسمائها.

الحربُ والدماء والفقدان وبكاء الأم وخوف الفراق والمرض والضعف والقتل والغربة في الوطن ورعشة صوت تكافحهُ الدّمعات العالقة والمتخثّرة في مسارها خائفة من لحظة التهجير! فلهروبهم من أرضهم حكاية عار لكل عربي، وإنَّه لمؤشر على فقدان الانسانية من الانسان " الشيطارحماني " الذي يملي بكل أشكال العنف والإجرام وبكل تلك الفظائع التي لا تدخل دماغ الواقعيين، ويصتنع في لحظة أخرى رحمة وقلباً حنوناً في أعيادٍ سمع عنها لتوّه! وفي لحظة الوداع لا مفر من الدموع أمام وحوش أكلت ثورة الناس. 

يا ابن حلب! في لياليك الباردة وحالتك اللاطبيعية يأتي مخاض ذاك الوعي الذي سبقك فيه الفلسطيني ّ المهجَّر عن أرضه الذي يعرف معاناة ومشاعر ما أنت مقرّرٌ لك أن تعيشه، يقابلك منه عناقات القلوب وصراع الموت وحديث داخل الأنفس يوجهك لأن ترمي نفسك في البحر، فبالنسبة لك لم تعد تفرق كثيراً ان استمررت ميّتاً تعاني العذاب فوق التراب أو أن تصبح في عدّاد الموتى ومن هم تحت التراب! من يدري فلربمّا الهرب من ظلم العباد الى رحمة ربِّ العباد.

يا ابن حلب، وسَمْعك يصغي، وعيناك مفتوحتان، وقلبك منكسرٌ ووقتك منحصرٌ، ليس لك علاقة بما يحدث اليوم، ولكن ذاك من يعتقد أنَّه يمتلك قدرة إلهية على تغيير الواقع وجذبه لنفسه يحدد علاقاته بالأشياء وبركام من الأحجار وبجمر من النار يدوي ويدوي.. وقتلى!  جموحه سيرهقه حتى يصل إلى نقطة يذوي فيها ذاك الجموح على رماد الجموح، لتزدهر حلب من جديد يوماً ما. 

لا تقل يوماً وداعاً واستبدلها بإلى اللقاء، بعد لحظة فراق حلب، فهناك موسيقاها في كل زاوية ومنعطف ومرتفع، وهذه حقيقة ستحتاج إلى سَمْعٍ في القلب مرهف، ستضمك حلب في كل حين من أزقتها وترابها وسمائها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.