شعار قسم مدونات

"فوبيا" ترمب

blogs- ترمب
حتى قبل تنصبه رسميا ودستوريا رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، خلق الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لنفسه من الأعداء أكثر مما أكسبه له فوزه من الأصدقاء. وزرعت تصريحاته وتغريدا ته من المخاوف أكثر مما بعثته من التطمينات إلى الأصدقاء والأعداء على حد سواء. فالرئيس الأمريكي الجديد سيدخل إلى البيت الأبيض يسبقه نوع من "الرهاب" أو "الفوبيا" التي غذتها تصريحاته وتغريداته منذ أن أعلن عن ترشحه قبل سنة ونيف لقيادة الدولة التي توصف بأنها قائدة العالم الحر.
 

وأكبر مصدر لهذا التخوف من ترمب وسياساته هو تصريحاته التي يطلقها على عواهنها وتغريداته التي غالبا ما كان يغرد بها حتى خارج سربه، وقد اتضح هذا جليا قبل تنصيبه رسميا، فأثناء استجواب الكثير من أركان إدارته المقبلة أمام الكونغرس، أعرب اثنان منهما مرشحات لتولي أهم حقيبتين وزاريتين داخل إدارته، الخارجية والدفاع، عن مواقف تتناقض مع سياسات رئيسهم المقبل فيما يتعلق بعلاقات بلادهما مع روسيا والموقف من الاتفاق النووي مع إيران، ومع ذلك خرج ترمب ليبرر ذلك التناقض بأنه مجرد "وجهة نظر" وبأن من حق مساعديه أن يعبروا عن وجهة نظرهم وليس وجهة نظره هو!

الحرب التي يخشى الكثيرون وقوعها في عهد ترمب هي تلك التي بدأتها تصريحاته المعادية للصين، القوة الاقتصادية العالمية المنافسة لبلاده.

وقبيل مغادرته البيت الأبيض، عبر الرئيس المنهية ولايته، باراك أوباما، عن خطورة هذا التضارب في التصريحات بين الرئيس المقبل للولايات المتحدة الأمريكية وكبار مساعديه، وحذر مما وصفه بـ "الأسلوب الارتجالي لترمب الذي لا يتناسب مع الرئاسة".
 

ولأول مرة في تاريخ أمريكا يخرج إلى العلن الصراع بين رئيس الدولة وأجهزة المخابرات القوية التي تحكم فعليا البلد، وهذا وضع لا مثيل له في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ويشكل أكبر خطر من الداخل على أمنها القومي، لأن أجهزة المخابرات الأمريكية أقوى من الرئيس رغم أنه يبقى دستوريا هو رئيسها المباشر.

وبما أن ترمب تعود أن يطلق تغريدا ته على عواهنها، وبدون ضابط أخلاقي أو قيمي، فقد أصابت شظاياها الكثيرين وخلقت من الأعداء أكثر مما أكسبته من الأصدقاء. والجميع يتذكر تصريحاته البذيئة ضد المرأة التي أثارت اشمئزاز النساء في أمريكا والعالم، ورغم اعتذاره وتراجعه عنها إلا أنها خلفت أثارا نفسية كبيرة لدى كل أنصار المرأة في العالم، ومن بين انعكاسات تلك التغريدات الحمقاء الدعوة إلى مسيرة مليونية للنساء في واشنطن عند تنصيب صاحبها رئيسا لأمريكا.

وحتى الصحافة التي لعبت دورا كبيرا في نجاح ترمب، عندما تناولت "طعم" تصريحاته الديماغوجية والشعبوية وروجت لها طيلة حملته الانتخابية، لم تسلم من هجوماته وانتقاداته، وهو ما يجعل الرئيس الأمريكي الجديد يدخل إلى البيت الأبيض وهو في صراع مع واحدة من أقوى السلط في بلاده التي أدت عام 1972 إلى إسقاط الرئيس ريتشارد نيكسون.

وآخر حروب ترمب الداخلية اندلعت أياما فقط قبيل تنصيبه، وهذه المرة مع السود الأمريكيين عندما هاجم بعنف النائب الأسود، جون لويس، الذي يعد من أهم شخصيات حركة الدفاع عن الحقوق المدنية في أمريكا، بعد إعلانه أنه لن يحضر مراسم تنصيب الرئيس المنتخب الجمعة المقبل.

أما على المستوى الدولي فقد جاء ترمب إلى البيت الأبيض ممتطيا الكثير من الأحصنة لمحاربة "أعداء" بلاده في الخارج. وعلى رأس هؤلاء الأعداء "الإسلام والمسلمين" الذين أطلق ترمب حملته الانتخابية بمهاجمتهم ووصمهم بأقذع النعوت، ودعوته إلى طردهم من أمريكا ومحاربتهم في بلدانهم..
أما سياسات ترمب تجاه المهاجرين فقد كشفت عن عنصرية مقيتة وتعصب يثير الاشمئزاز لجنسه الأبيض ضد كل مكونات الشعب الأمريكي التي انصهرت داخله عبر القرون جنسيات وإثنيات مختلفة.

لكن الحرب التي يخشى الكثيرون وقوعها في عهد ترمب هي تلك التي بدأتها تصريحاته المعادية للصين، القوة الاقتصادية العالمية المنافسة لبلاده. وبالرغم من أن الكثير من المراقبين يَستبعد وقوع مثل هذا الحرب، إلا أن أجواء التوتر التي سيخلقها الصراع بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم ستكون لها انعكاسات لا يمكن توقع آثارها السلبية على العالم برمته.

وآخر حروب ترمب الكلامية أطلقها هذه المرة ضد أوروبا الغربية التي ظلت دائما تعتبر حليفة للولايات المتحدة الأمريكية، وجزء من "العالم الحر" الذي تعتبر أمريكا قائدته، وشملت هذه التصريحات الاتحاد الأوروبي وزعيمته ألمانيا وبالأخص المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل..

وخارج دائرة "الأعداء" الكبيرة هذه التي خلقها ترمب لنفسه، فإن أصدقائه والمرحبين بتوليه زعامة أمريكا يكادون يعدون على الأصابع، تأتي على رأسهم إسرائيل التي وعد ترمب بنقل سفارة بلاده لديها إلى مدينة القدس المحتلة. وعكس كل الإدارات الأمريكية السابقة التي كانت تعتبر روسيا عدوة استراتيجية لبلادهم أرسل ترمب الكثير من رسائل التغزل إلى قيصر الكرملين الجديد فلادمير بوتين.

الأيام المقبلة هي التي ستحكم إلى أي حد يٌعتبر هذا الخوف أو بالأصح التخوف من وصول ترمب لقيادة أقوى قوة عسكرية واقتصادية في العالم منطقيا أم أنه مجرد "فوبيا".

وحتى الآن تلقى ترمب رسائل تغزل من النظام الانقلابي في مصر، ومن العربية السعودية التي رحب وزير خارجيتها بأسلوب ترمب لإعادة الهيبة إلى أمريكا كقوة عالمية، وآخر من دعا إلى عدم الخوف من ترمب وسياساته الغامضة، هو الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي ندد بـ "حملة الكراهية" التي تستهدف الرئيس الأمريكي المنتخب!

وفي انتظار يوم الجمعة المقبل، عندما سيطل على العالم الرئيس الأمريكي الجديد من شرفة البيت الأبيض، يضع الكثيرون أياديهم على قلوبهم وهم يدعون أن تكون كل تلك الكميات الهائلة من التعالي والاحتقار والغرور التي أبان عنها الرئيس الأمريكي المنتخب طيلة الأيام والشهور السابقة، مع نسبة كبيرة من الجهل بالكثير من الأمور التي يتحدث عنها، مجرد بهارات استدعتها حملته الانتخابية لإعطائها النهكة التي حملته ريحها إلى البيت الأبيض.

فالأيام المقبلة هي التي ستحكم إلى أي حد يٌعتبر هذا الخوف أو بالأصح التخوف من وصول ترمب لقيادة أقوى قوة عسكرية واقتصادية في العالم منطقيا أم أنه مجرد "فوبيا" تجعل أصحابها يعيشون في ضيق وضجر وهم يفكرون فيما يمكن أن يصدر عن رئيس أهوج من تصرفات هوجاء؟ جزء من الجواب عن هذا السؤال يمكن أن نبحث عن في الجواب عن التساؤل هل كان العالم مثلا سيكون أفضل حالا لو أن المرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون انتخبت رئيسة لبلادها؟

ثمة من يعتبر الأمر يتعلق بلعبة كراسي أو ما كان يسميه الناشط المدني الأسود مالكوم إكس بـ "التناوب الرهيب"، لأنه في الحقيقة لا شيء يتغير فمن يحكم في الولايات المتحدة الأمريكية هي "الإستبلشمنت" أي المؤسسات التي تعرف كيف تروض الرؤساء وتخضعهم لهواها ومزاجها، وطريقة تفكير الأشخاص داخل تلك المؤسسات هي التي يجب الحذر منها لأنها قادرة على أن تصنع من رؤساء ملائكة وأن تحول آخر ين إلى شياطين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.