شعار قسم مدونات

أبنائِى الأعزاء.. ستقابلون كثيرا من الشرّ

blogs-ابن

لا أدرى لم أنا مشغُولة دوماً بالأبناء، رغم أننى لم أصبح أُمَاً بعد، إلا أننى أجدنى دوما أفكر في الأبناء الذين لم يأتوا بعد للحياة. أفكر بهم لأن الواقع الحالي أصبح مخيفا في مستجداته إلى حدٍ خطير؛ فلا أدرى أي مستجداتٍ سوف تكون في زمنهم الآتي. ولأنهم سوف يُخلقون لزمان مجهول ليس كزماننا، وعملا بنصيحة الإمام علىّ كرم الله وجهه بأن نربيهم ليس كما ربانا آبائنا؛ ونظرا ً لأنّ ُكلنا يريد لأبنائه أن يكونوا صالحين؛ فلابد أن نواجه أنفسنا بحقيقة هامة؛ ألا وهي أنهم سيكونون "غرباء" في زمنهم، نعم سيكونون غرباء عن الغالبية العظمى من أقرانهم ومن الناس حولهم.. 

فنحن نريدهم أن يكونوا صادقين في وسطٍ قد استشرى فيه الكذب، نريدهم أن يكونوا أمناء وسط كثير من الخيانات يرونها ويسمعون عنها، نريدهم طموحين في واقع يحارب الطموح، ونريدهم مستمسكين بالأخلاق والمبادئ في زمنٍ به من الفتن ما يحارب كل ذلك ويشوهه.
 

لابد أن يعي أبناؤنا أنه سيأتي عليهم أوقات كثيرة يلتبس عليهم فيها الحق بالباطل؛ فليتجنبوا حينها الشبهة وليهرعوا إلى الله يطلبوا النجدة والتثبيت، لابد أن نقوى لديهم الإيمان والقرب من الله.

حسنا؛ ليكونوا غرباءً إذن ولكن لنفْهِمَهم تلك الحقيقة جيدا جدا ونحن نُربيهم؛ لذلك أرى أنه لم يعد يكفي أن نغرس بهم الخير فحسب؛ بل لابد أن نعْلِمَهم أنهم سوف يقابلون كثيرا من الشر في حياتهم وأنهم سيخوضون معاركا شرسة وسوف يُختبرون باستمرار. لابدّ ان نُفَهِّمَ ابنائنا ونحن نعلمهم الصدق ونحثهم عليه أنهم سيقابلون كذبا كثيرا وكاذبين كِثار ولابد ألا يزحزحهم ذلك عن صدقهم مهما كلفهم الأمر. لابد أن نفْهِمَهم أنهم سَيرون للكذب مكاسباً لامعة وسَيرون للكاذبين مجدا كبيرا؛ وسَيسمعون للكذب صوتا عاليا رناناً يستحسنه الجميع.. ولكن كل ذلك لن يكون في النهاية إلا سرابا؛ ولن يبقى إلا الصدق. 

لابد أن يعي أبناؤنا أنه سيأتي عليهم أوقات كثيرة يلتبس عليهم فيها الحق بالباطل؛ فليتجنبوا حينها الشبهة وليهرعوا إلى الله يطلبوا النجدة والتثبيت، لابد أن نقوى لديهم الإيمان والقرب من الله؛ فذلك هو الرادار الدقيق الذى سوف يكشف لهم الشر المتخفي حولهم ؛ فمشكلة الشر أصبحت أنه لم يعد هو ذاك الشر الجلي الواضح؛ بل أصبح يأت متخفياً في أثوابٍ جميلة وعناوين أخاذة ؛ فتأت الخيانة في ثوب البحث عن السعادة و انتهاز الفرص؛ ويأت السكوت عن الباطل مما يرتكبه الأفراد ويضر المجتمع في ثوب احترام الحرية الفردية؛ وتأت السلبية ترتدى ثوب الواقعية وغير ذلك من الشر الكثير المتخفي في الأثواب المزيفة، لم يعد يكفى أن نعَلِّمهُم الخير فقط ولا حتى مواجهة الشر فحسب، بل لابد أن نعَلِّمَهُم كيف يظلوا أقوياء في مواجهة كل ذلك والتغلب عليه .

ولأكُن أكثرَ واقعيةً ووضوحا، وأقول أننا لا نضمن أن نعيش مع أبنائنا ذاك العمر الطويل المرجوُّ؛ فالموتُ حولنا أصبح يأت فجأةً ومن حيث لا نتوقع، فإذا لم يكن مؤكدا أننا سنعيش طويلا لكى نواجه معهم الحياة ونساندهم؛ فإنّ ما سنتركه في قلوبهم من قيم ستبقى معهم بعد أن نرحل لذلك يجب أن نحسن تسليحهم ليس بالقيم وحدها بل بإفهامهم جيدا حقيقة الحياة التي سيعيشونها. لابد أن نعَلِّمَهم ونغرس فيهم أن الخير الذى نحثهم عليه لن يجدوه منتشرا حولهم؛ لكنهم إن ثبتوا عليه فلن يحصدوا غيره في النهاية، وبأنه مهما بدا الطريق المستقيم صعبا وشعروا فيه بأنهم وحيدون أو غرباء ؛ فسيوفقهم الله دوما إلى غرباء أشباههم ليؤنسوا بعضهم بعضا في رحلة الحياة الشاقة ؛حتى يخرجوا منها بسلام وقد أدّوا مهمتهم السامية المكلفون بها من الله عزّ وجلّ بأن يعبدوه ويعْمروا الحياة بالخير ويتركوا فيها الأثر الطيب .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.